صباح الزهيري
في السبعينات من القرن الماضي , وبأختلاف الذوق الأدبي لأختلاف الزمن , استمر الصراع بين القديم والجديد في ميدان الشعر , فمهَّد هذا الأمر إلى ظهور من تعصَّب للشعر القديم , وكان اللغويون والنحويون في مقدمة المتعصبين له , لأنَّهم عندما بدأوا بجمع اللغة وقواعدها وضعوا قيودًا مشدَّدة في جمع نصوص اللغة التي تعينهم في هذه العملية, وأذكر من ايام الجامعة عندما كتب محمد الجزائري نصا شعريا عن الصابئة المندائيين يقول فيه : (( في زمن الأستنتاجات يظل النوريون يصلون بأباحية, صلاة الجسد العاري , وهو يحرق بخوره في أحواض السمك الشكسبيري اللاهث , وبطقوس عدمية , يتبادلون القبلات , ويطبعون بقعا من السم على شفاه بعضهم)) ,كنت في حينها قد أعجبني النص كثيرا الا أني لم أجرؤ على الدفاع عنه في نقاشاتنا الأدبية , بسبب قوة حجة متعصبي الشعر القديم , ولقلة خبرتي وقتها ايضا.
الا اني قد تفاجأت وانا اقرأ نقاشات تدور حول نصا هزليا ( الحلزونة ) في احد أفلام عادل امام تتم مناقشته وبحثه كأنه يحمل مضمونا لرسالة :
(( الحلزونه والحلزون اتقابلو في خورم الاوزون الحلزونه جوه متاهه والحلزون لما استناها هربت وقعت جوه البير , والسما بتمطر مسامير والحلزون مكبوت واسير الحلزونه انتحرت فجأه , والحلزون , خبطته عربيه عدت في ميدان التحرير)) , وهي من ديوان ( أبيع نفسي ) للممثل والكاتب ضياء الميرغني والذي يقول فيه :
((أبيع نفســـى لاول مشتـــرى آت , ابيع مقهورا حبيبـاتـى كـلـمـاتــــى ,فليسـقـط الشـعـر ولـتـنـهار أبياتى, فالشعر شعرى والمأساه مأساتى)) .
وفوجئت بمن يكتب في مجلة معروفة ( اليوم السابع ) ان هذا النص يحمل رسائل كثيرة , وان الحلزونة رمز لمصر, وانه ينطوي على احساس بحزن الشاعر البسيط لبيعه أشعاره نظرا لفقره وعدم قدرته على اقتناء الأموال بشكل آخر سوى بيع أشعاره , وإدراكه بأن الأثرياء يستطيعون شراء كل شيء من حولهم بأموالهم وهذا من الممكن أن يكون صحيحا فى الأمور المادية, لكن الموهبة والهوية ليس من الممكن شراؤها بأى مبلغ , وتوالت صحف رصينة مثل القبس الكويتية , والدستورالأردنية الدفاع عن النص, وأعتبروه يناقش قضايا سياسية بالأستشهاد بحلزونة ابيع نفسي , واعتبروا الشاعر مبدعا . تذكرت حينها ابن الأعرابي عندما قال عن شعر البحتري وابي تمام بأعتبارهم محدثين :
(( إنما أشعار هؤلاء المحدثين مثل الريحان يُشم يوماً ويذوي ثم يرمى به, وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلما حركته ازداد طيباً )) , لاأدري ماذا كان سيقول عن الحلزونة ؟؟
إرسال تعليق