تحسين الشيخلي
في زيارتي الاخيرة للعراق جمعتني جلسة حوار مع نخبة من الاصدقاء والزملاء الاكاديميين . وقادنا الحديث الى واقع التعليم العالي بين الجامعات الخاصة و الجامعات الرسمية. أعربت عن رأيي في اننا بحاجة لجامعات (منتجة) وليس (مطاحن للشهادات) ..
للأسف ،مع كثرة الجامعات الخاصة بأبنيتها الفارهة وخدماتها التي تنافس المنتجعات السياحية والتي طغت بأعدادها على المؤسسات التعليمية الرسمية التي لازالت تحتل بنايات قديمة وتحكمها ضوابط أكاديمية و أنظمة صارمة ، تحول التعليم تدريجيا إلى تجارة ربحية ، ودخلنا في دوامة تسويق وتسليع التعليم، حيث اندثرت معالم التعليم العام المجاني لتحل محله مؤسسات ربحية تتاجر في العملية التعليمية . وبالتالي فإن النظرة الجديدة للتعليم العالي (وحتى التعليم ما قبل الجامعي) جعلت منه جانبا من أنشطة الخدمات التجارية ، التي تدر عائدات وأرباح للاستثمارات الخاصة ، وأصبح قطاع التعليم العالي ، إسوة بالخدمات الصحية سواء الخاصة أو العامة التي تم تحويلها إلى تجارة ربحية ..ففي حين أن التعليم حق أو مصلحة عامة ، وبالتالي لا يجب اعتباره سلعة أو إخضاعه لاتفاقات تجارية . ما يجري اليوم في العراق ،أن هناك من يعتبره خدمة أو بضاعة مثل أية خدمة قابلة للتسويق..... هناك من يحتج بأن الجامعات الخاصة موجودة في جميع دول العالم والعراق ليس استثناء . نعم هذا كلام صحيح ، لكن يجب التفريق بين الجامعات الخاصة و الجامعات التي تستهدف الربح .ومعظم او جميع جامعاتنا الخاصة اليوم غادرت مفهوم الرصانة الى جامعات مستهدفة للربح.
الجامعات الخاصة التي تعمل بشكل جيد في الأساس جامعات غير ربحية ، وخاصة الجامعات الخاصة البحثية ، وكلها تقريبا جامعات غير ربحية.
في حين منذ سبعينات القرن الماضي تم تأسيس جامعات خاصة هادفة للربح ، وبالتالي انتشر فايروس تأسيسها في دول العالم ،وبالاخص في الولايات المتحدة الامريكية حيث تأسست أول هذه الجامعات ،وكانت باكورتها مجموعة أبولو التعليمية .ومع ذلك ، فإن الجامعات الخاصة الهادفة للربح في الولايات المتحدة توفر التعليم المهني بشكل أساسي ، وتستهدف الطلاب الذين لا يستوفون معايير القبول في الجامعات التقليدية ، أو يحتاجون إلى مهارة توظيف معينة.
إن إنشاء كليات وجامعات هادفة للربح أمر حذر. فاحتمالات عدم استمرارها وافلاسها وبالتالي غلقها وارد جداً ، وهذا ما يجب ان يأخذه راسمي السياسات التعليمية و المستثمرون في التعليم العالي في العراق بنظر الاعتبار.
أقرب مثال ، جامعة فينيكس ، وهي تابعة لشركة أبولو للتعليم ، مثالا رئيسيا على جامعة هادفة للربح ، مع ما يقرب من الاف الخريجين. ولكن في عام 2017 ، بسبب انخفاض عدد الطلاب وأسباب أخرى ، تمت خصخصة مجموعة أبولو التعليمية وشطبها بسعر مليار دولار ، وهو أقل بعدة مرات من ذروة قيمتها السوقية.
بالإضافة إلى ذلك ، تعرضت العديد من الجامعات الهادفة للربح في الولايات المتحدة لمعدلات قروض طلابية عالية ، ومعدلات تخلف عن السداد مرتفعة ، ومعدلات تسرب عالية ، ومعدلات بطالة عالية ، وتم التشكيك في جودة تعليمها وانتقادها.
في غضون سنوات قليلة توقعوا طرح موضوع إفلاس الجامعات الخاصة بشكل متكرر وقد يثير ضجة. ومن وجهة نظر سوق الأعمال الساعية إلى الربح، فإن إفلاس الجامعات الخاصة قد يكون ببساطة نتيجة للتخلص من الجامعات التي يعتبرها المجتمع غير ضرورية.
إرسال تعليق