ياسر عبدالعزيز
بعد أن شن الاحتلال الإسرائيلي، هجوما جويا استهداف فيه الاحتلال بصواريخه وطائراته المسيرة موقعا في أصفهان وسط إيران، يعتقد أنه لمنشأة تخص المشروع النووي الإيراني، يدور الجدل حول إمكانية اتساع رقعة الحرب، واستخدام كل طرف ما يمتلك من قدرات وإمكانيات وفرص، للرد على الآخر، ولكل في ذلك أهدافه وتبريراته . الإعلام العبري ، ونيابة عن الحكومة، التي التزمت الصمت تجاه العملية، تحدثت عن وقوع انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية العسكرية، وهذه المواقع المهمة تزيد أهميتها بأنها، وبحسب محللين من الكيان المحتل، تدخل ضمن تخزين أو تصنيع تخص المشروع النووي الإيراني، كما أن بعضهم أشار إلى أن بعض الطائرات المسيرة والصواريخ التي ردت بها إيران على قصف قنصليتها في دمشق انطلقت من هذه المواقع، وكأن تل أبيب تريد أن ترسل رسالة من خلال استهداف هذه المواقع، مفادها أنها تعلم إحداثيات كل شيء، سواء أماكن إطلاق الضربة الرد، أو إمكان تخزين وتصنيع تخص مشروع إيران النووي .
ومنذ الضربة التي وجهها الاحتلال للقنصلية الإيرانية في دمشق ويدور جدل بين ثلاث معسكرات في المنطقة، معسكر كان ينتظر رد إيراني قوي، ولذلك كانت تفاهمات الرد الإيراني بصواريخه ومسيراته التي تصدت لها أميركا وبريطانيا وفرنسا، وللأسف بعض الدول العربية فأحبطت الكثير منها في الجو، وهو ما رآه الجمهور المؤيد للضربة على أن الضربة حققت عدة أهداف أهمها سقوط نظرية الردع الإسرائيلي، وأن الضربة كسرت حاجز الخوف، على الرغم من أن العراق فعلها منذ 34 عاما، لكن قومي ينسون . والمعسكر الثاني هو المعسكر المؤيد للضربة الإسرائيلية والرافض للرد الإيراني، ويروه انتهاك لسيادة الأجواء التي مرت بها الضربة الإيرانية وتقويض للسلم وأمن الإقليمي، وهذا المعسكر وجمهوره، ذاق من إيران وحرسها الثوري أصناف العذاب، ويرون في عدو عدوهم صديق، ومنهم من يخشى على استتباب أمن بلاده، أو حكمه، ويساوره قلق من مشروع إيران التوسعي، وهؤلاء مع الأسف شاركوا في صد الضربة ومحاولة إيقافها قبل وصولها إلى الأراضي المحتلة. والمعسكر الثالث هو معسكر مؤيد للضربة الإسرائيلية ومؤيد أيضا للرد الإيراني، وفرح كثيرا عندما علم بكذب رواية الاحتلال وراعيه الأميركي، التي أكدت على أن كل صواريخ ومسيرات إيران سقطت قبل وصولها للمجال الجوي لفلسطين المحتلة ، إذ كشفت التحقيقات أن تسعة صواريخ من جملة 300 قطعة هجومية ما بين مسرات هجومية وصواريخ بالستية وكروز، استطاعوا أن يمروا من كل دفاعات الجوية للغرب الموجودة في البحر أو في قواعد على الأراضي عربية ، ومروا كذلك من القبة الحديدية للكيان، لكن هذا المعسكر بين المعسكرين السابقين صوته خافت في ظل حالة الشعبوية التي تغذيها وسائل الإعلام .
وإذا سألت المعسكر الأول عن رأيهم في توسيع دائرة الحرب الآن ستجدهم، على خلاف ما كان رأيهم مع بداية العدوان على غزة، الذي كان ينادي بوحدة الساحات، يرفضون توسيع دائرة الحرب، ولا يريدون أن ترد إيران على ضربة أصفهان، ويرون أن دخول إيران على خط المواجهة المباشرة مع الاحتلال، يضر بالمقاومة في غزة . وإذا سألت المعسكر الثاني عن توسيع دائرة الحرب، تجدهم، على خلاف رأيهم مع بداية الحرب، إذ كانوا يريدون أن تتوسع الدائرة، وتصبح إيران في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، ومن ثم حلفائها الغربيين، وعلى رأسهم أميركا، على الرغم من أن الأخيرة لا تريد هذا السيناريو لكي تتفرغ للملفات الأهم في روسيا والصين . أما المعسكر الثالث فتجده يرى أن المعسكر الثاني واهم بأن تدخل أميركا بالنيابة عن المعسكر الثاني من أجل توجيه ضربة لإيران تفقدها قدراتها العسكرية، وتنهي ملفها النووي، وتخلصهم من خطر جارة "الشر" كما يرون أن توهم المعسكر الأول بأن إيران قصفت الأراضي المحتلة من أجل القضية الفلسطينية، إذ أنهم لم يحسبوا لإيران أحدا، ولم يسمعوا لها ركزا على مدى السبعة أشهر التي استشهد فيها ما يقارب الأربعين ألف فلسطيني، ولم تتحرك إلا بعد أن قتل رجال من النخبة في فيلق القدس، بينهم الجنرال محمد رضا زاهدي . ويرى هذا المعسكر أن هذه التصفية بين الاحتلال والنظام في إيران، إنما يصب استراتيجيا لمصلحة الأمة العربية، فيما لو تم تحركت الشعوب بعد تغيير المعادلة الجيوسياسية في المنطقة على إثر عملية طوفان الأقصى، والتي حققت مكاسب كثيرة، نكتفي ما كتبنا فيها، وكتبه الكاتبون، لكن الأهم كي نستفيد من هذه المعادلة، أن يقتنع الجميع أن كل من إسرائيل وإيران وجهان لعملة واحدة، ولا ينظرون إلى الصراع الدائر الآن بنضرة ضيقة، وقد كتبنا في ذلك مقالا بعنوان (طوفان الأقصى يفجر التفكير الذري) وآخر بعنوان (مدن غمرها النسيان في طوفان الأقصى) وأن ما يحدث ليس مباراة لكرة القدم، ونحن فيها مشجعون .
إرسال تعليق