غدير خم والعيد البويهي

مشاهدات

 


محمد الجميلي



بعد واحد وعشرين عاما من حكمهم للعراق، وبعد الفشل المتراكم على الأصعدة كلها ؛ ليس على صعيد سياسي أو اقتصادي فحسب ، بل فشل شامل أتى على كل مقومات البلد وبناه التحتية ، فلا تعليم معتبر ولا صناعة بحدها الأدنى لنهضة الأمم والدول، ولا زراعة تسد حاجة البلد بعد أن تحولت ثلث الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراض بور في وقت يتحدثون فيه عن الزحف الصحراوي وخطورته، وفي وقت بات العراق يستورد كل شيء حتى البصل والبطيخ ، وفي وقت يتظاهر فيه فلاحون في بعض مناطق العراق من أجل توفير حصتهم المائية اللازمة لزراعة أرضهم ، تزامنا مع تظاهرات أخرى بسبب النقص الشديد في تجهيزهم بالكهرباء، تلك المعضلة التي لم يجدوا لها حلا بل هي في تعقيد مستمر معروفة أسبابه ؛ أقول بعد هذه الكوارث كلها والفشل الكبير، لم يجد هذا النظام البائس وأحزابه العميلة وميليشياته القذرة من سبيل لإلهاء الشعب المنكوب وإشغاله عن واقعه المر، سوى العزف على وتر الطائفية الذي لا يجيدون غيره منذ أن نصبهم الغزاة حكاما على بلاد الحضارة والتأريخ . بعد واحد وعشرين عاما على فشلهم الكبير في حكم البلد وإدارته ، تذكروا اليوم غدير خم وجعلوا منه عيدا يحملون فيه الورود في المراقد المنسوبة للأئمة في كربلاء والنجف، في خطة بويهية تتطابق مع أهداف الحاكم البويهي الذي ابتدعها بغطاء ديني ولكنها لهدف سياسي بحت هو سحب البساط من حكم بني العباس باعتبارهم أبناء عم النبي صلى الله عليه وسلم زاعمين أنهم يمثلون ذرية فاطمة بنت النبي فأطلقوا أكذوبة تنصيب علي في غدير خم لهذا الغرض السياسي .

 

إذا كان البويهيون قد ابتدعوا أكذوبة الغدير بتنصيب علي خليفة لسحب البساط من تحت حكم بني العباس، فما غاية النظام الحاكم وأحزابه وميليشياته الماسكة بتلابيب الحكم منذ عقدين ويزيد؟ هم الحاكمون والمتحكمون بكل شيء في البلد ووليهم الفقيه ماسك بقبضته مع حرسه الثوري على إيران وعواصم عربية باعترافهم؛ فممن يريدون سحب البساط؟ والجواب لا شيء من هذا ولكنهم يريدون تغطية فشلهم الكبير وفسادهم العريض بالترويج لهذه البدعة وإلهاء الناس بها بذريعة حب علي ونصرته، وهم كاذبون مخادعون، وهي بدعة يبرأ منها علي وآل بيته الكرام . من تابع احتفالات أعضاء مجلس النواب الذين حضروا جلسة التصويت على إقرار قانون عطلة الغدير وهتافاتهم، يراوده ظن بأن شيئا عظيما قد أنجز للشعب والبلد، أو بأن نصرا كبيرا قد تحقق ضد عدو غاز فاحتفلوا بالنصر والتحرير، مع أنه لا شيء من هذا حاصل، ومع أن إقرار قانون العطلة لم يكن بالأمر العسير في ظل سيطرتهم على البرلمان رئاسة وحضورا بعد غياب النواب الآخرين الذين سبق أن رفضت كتلهم مشروع القانون بسبب التوافقات التي تحكم عمليتهم السياسية منذ تأسيسها وحتى اليوم، فلماذا هذا الاحتفال والتهريج إن لم يكن لتحقيق غرض سياسي كالذي أشرنا إليه. لقد جاءت عطلة ما يسمى عيد الغدير وما رافقها من ممارسات طائفية بغيضة، لتمرر أكاذيب أخرى درجت على ترويجها أحزاب الخراب في العراق؛ مثل كذبة (الأكثرية الشيعية) التي روجت لها هذه الأحزاب عقب غزو العراق من قبل حليفتهم أمريكا، وأن عطلة عيد الغدير من حق هذه الأكثرية التي يعملون على ترسيخ مفهومها من خلال الضخ الإعلامي والتغيير الديموغرافي، ومنه التهجير لملايين من أبناء الوطن على خلفية الاغتيالات وعمليات الخطف وانعدام أسباب الحياة الحرة الكريمة، وهي كذبة سيظلون يكررونها ليجعلوا منها حقيقة كما يزعمون. وكذبة أخرى حرصت أبواق هذه الأحزاب على تمريرها وهي أن نظامهم الحالي نظام ديمقراطي، وأن وجود البرلمان يؤكد هذا الإدعاء، وأن قانون عطلة الغدير جرى اعتماده ديمقراطيا في برلمان ديمقراطي، وأن من يعارضه هم الكارهون لهذه الديمقراطية وممارساتها وإلزاماتها، وهذه كذبة كبرى كشفتها السنوات العشرون من التسلط والقمع وكتم الحريات واغتيال الأصوات المنادية بالحياة الكريمة، وما قمع ثورة تشرين الوطنية وقتل ألف من شبابها وشاباتها وجرح ثلاثين ألفا ببعيد عنا، وفضحتها عمليات الانتخاب المزورة، ومقاطعة الشعب العراقي بغالبيته العظمى، وممارسات هذه الأحزاب بعد كل انتخابات، فلا التزام بالخيار الديمقراطي الذي يدعونه وفق ما تفرزه انتخاباتهم المزورة أصلا، بل يلجؤون لتوافقات سياسية في كل مرة تضرب بديمقراطيتهم عرض الحائط، وقد شاهد الجميع ديمقراطيتهم الكسيفة في جلسات اختيار رئيس البرلمان خلفا للحلبوسي المقال، التي لا تمت للنظام الديمقراطي بصلة، فضلا عن جلسة تمرير قانون عطلة الغدير التي تنضح ديمقراطية بل أمطرت ديمقراطية حتى غرقت منها شوارع بغداد.

 

إن الممارسات الطائفية التي شهدتها مدن العراق وزخرت بها القنوات الفضائية، في ظل تحريض وقح من رؤوس عفنة حشيت حقدا وطائفية، تدلل أن وراء مشروع العطلة هذا مخطط خبيث يستهدف وحدة الشعب العراقي واجتماع كلمته، بعد أن وصل الشعب بكل فئاته وطوائفه الى درجة اليقين من أن هذه الأحزاب وميليشياتها تعمل لغير مصلحة الوطن، بل لمصالحها الخاصة على حساب الشعب وحاضره ومستقبله، وأن هذه الأحزاب ولاؤها لإيران وليس للعراق وأهله، وأنها تخرب كل شيء من أجل مصلحة سيدتهم إيران ووليهم خامنئي، لذلك جاء هذا المشروع الجديد ليقطع الطريق على ما يوقنون أنه خطر محقق يهدد وجودهم ومغانمهم. لأول مرة منذ الحكم البويهي للعراق تسير سيارة مضاءة بساطع الأنوار وبهارج الزينة في شوارع مدينة كالموصل بكل تأريخها ومكانتها الحضارية، تبث هتافات وقحة تقول “الصوج من أمه الما والاه”، وهذا ليس طعنا بأهل الموصل وسنة العراق والمسلمين كلهم الذين لا يرون في حادثة غدير خم تنصيبا لعلي رضي الله عنه -فحسب-، بل هو طعن يستهدف أولا صحابة النبي من المهاجرين والأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وعلى رأسهم كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، بل هو طعن بعلي رضي الله عنه نفسه، فكيف ينصبه النبي خليفة من بعده ثم يبايع الثلاثة من قبله ولا يطالب بتنفيذ وصية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فهل هؤلاء الذين أقروا عطلة الغدير والذين طعنوا بالآخرين محبون لعلي رضي الله عنه وموالون له كما يظنون فيكررون قول: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ أليس هذا الهتاف من سيارة الموصل معاداة لعلي أولًا؟ فمن هو أحق بصفة موالاة علي؛ الذي يدعي هذا الإدعاء الباطل أم الذي يحب عليًا ويحب الصحابة الآخرين ولا يقول فيهم سوءًا؟ ومن يستحق هذا الطعن إذن لمن لا يوالي عليًا ولا يحبه؟ على من ستقع هذه الشتيمة الفاجرة، أليس على قائليها الذين لم يوالوا عليًا حقًا، بل عادوه وصاروا خصما له وهو الذي: رُوِيَ عَنْه مِنْ نَحْوِ ثَمَانِينَ وَجْهًا وَأَكْثَرَ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةَ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر. وثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا أوتى بِرَجُلِ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، إلَّا جَلَدْته حَدَّ الْمُفْتَرِي . سيفشل هذا التجييش الطائفي وإن استفاد منه أصحابه كما يظنون، وسيحترقون بنيران تدبيرهم في النهاية، وهذا التأريخ شاهد؛ فأين البويهيون والعبيديون وأين من شايعهم؟ وسينتصر شعب العراق على من يريد به سوءا وشرا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


تعليقات

أحدث أقدم