مناقشة عقلانية في قضية غير عقلانية !

مشاهدات



 مصطفى  كامل

 

هل الاحتفال بمناسبة يوم الغدير سيعيد عقارب الساعة، ويغيّر من حقائق التاريخ ؟

 

احتفل الشيعة الإثنى عشرية في العراق وإيران، وفي غيرهما بالتأكيد، في 18 ذي الحجة هذا العام بمناسبة (عيد الغدير) وهو بزعمهم ذكرى اليوم الذي أوصى فيه النبي محمد ﷺ لسيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وكرّم وجهه، بالخلافة من بعده . وبصرف النظر عن طبيعة هذا الاحتفال وما جرى فيه من أحداثٍ في العراق تحديداً، والجهات التي احتفلت به، وتلك التي دعت إليه وروّجت له، وبصرف النظر عن دوافع تلك الجهات في هذا الصدد، وهي دوافع طائفية معروفة، وأيَّ فتنةٍ هوجاءَ تقصد تلك الجهات إشعال نيرانها وهي المعروفة بإشعال الحرائق الطائفية، بصرف النظر عن هذا كله سأحاول مناقشة الأمر مناقشة عقلانية، مع أن القضية كلها غير عقلانية بالمرّة . في سياق هذه المناقشة العقلانية المنشودة نطرح على طاولة البحث بضعة أسئلة لنرى هل توقف أحد المحتفلين بضع ثوانٍ ليسأل نفسه عنها ويجيب بتجرّدٍ وموضوعية وأمانة، ونسأل :
 

1. هل الاحتفال بهذه المناسبة، حتى إن صحّت جدلاً، سيعيد عقارب الساعة، وسيغيّر من الحقيقة التأريخية التي لا يُنكرها أحد وهي أن علياً بن أبي طالب رضي الله عنه وكرّم وجهه، لم يتولَّ الخلافة بعد رسول الله ﷺ مباشرة وأنه حلّ رابعاً في التسلسل؟! وهل سيعيد له هذا الاحتفال، بعد أكثر من 14 قرناً على استشهاده، حقاً مسلوباً، وليس له حق طبعا . يقيناً أن الإجابة الوحيدة ستكون لا، لأن عجلة حركة التاريخ لن تعود إلى الوراء وقطار الأحداث لن يسير إلى الخلف أبدا.


2. إذا كان هناك نصٌ واضح صريح بولاية علي، كما يزعم أصحاب الدعوة وأهل الاحتفال، فكيف ارتضى عليٌ لنفسه وهو الوصيُّ المنصّب قطعياً بأمر إلهي أن يخالف أمر الله، المزعوم طبعاً، ويبايع ثلاثة خلفاء سبقوه ؟! هل هو جاهلٌ بأمر الله تعالى أم جاحدٌ له ؟
ولأنه غير جاهل بالأمر الإلهي، المزعوم، كما يُجمِع أصحاب الاحتفال، فهذا يعني أنه جاحدٌ لهذا الأمرالإلهي، وعاصٍ لله فيه وفي ما يترتّب عليه باعتباره ركناً من أركان الإسلام، كما هو عند الشيعة الإثنى عشرية، وجحوده هذا وعصيانه لأمر الله تعالى لا ينسجمان مع كونه ولياً معصوماً به اكتمل الدين وتمّت النعمة، وكون مقامه أعلى من مرتبة النبوة، كما يقول أصحاب هذا (العيد) وهو ما قاله روح الله خميني قبلاً وقاله علي خامنئي أخيرا! والإجابة الوحيدة طبعاً أنه بايع ولم يجحد أو يعصِ لعدم وجود نصٍّ بتنصيبه وهو يعلم بعدم وجود نصٍّ علماً قطعيا .


3
. إذا كانت الخلافة محسومة بالنصِّ في أبناء علي بن أبي طالب من فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، وهي ليست كذلك قطعاً، لماذا تنازل الحسن لمعاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنهما، وهو الخليفة الشرعي الذي بايعه المسلمون بالخلافة بعد استشهاد أبيه، ومعاوية ليس من أبناء علي وفاطمة؟! هل الحسن جاهلٌ بأمر الله سبحانه أم جاحدٌ له ؟ والإجابة الوحيدة طبعاً أنه ليس جاهلاً ولا جاحداً، وأنه تنازل بعد البيعة له حقناً لدماء المسلمين ولعدم وجود نصٍّ بحصر الولاية والوصاية والخلافة في أبناء علي وفاطمة .


4. لماذا أغفل القرآن الكريم ذكر ولاية علي وأولاده في إحدى آياته، وهي تمام الدين وعيد الله الأكبر كما يقول الشيعة الإثنى عشرية المحتفلون بهذا (العيد)، ولكنه ذكر البعوضة والبقرة والخنزير والضفادع والقمّل والجراد والنمل والنحل ومخلوقاتٍ أخرى؟! هل يُعقَل أن ذكر هذه الحيوانات والحشرات جاء في سياقٍ أهم من قضيةٍ مصيرية يدور عليها مدار الإسلام وتتوقف عليها حياة المسلمين ومصيرهم إلى قيام الساعة؟! ولماذا تحدث القرآن الكريم عن جميع أركان الإسلام الخمسة من توحيدٍ وصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ ولكنه أغفل الركن السادس الذي يقول الشيعة الإثنى عشرية به وهو الإيمان بولاية علي بن أبي طالب؟! يقيناً أن الإجابة الوحيدة ستكون أن الله تعالى لم يذكر قضية الولاية لأنها غير موجودة، حيث ترك سبحانه وتعالى أمر الحكم شورى بيد أهل الحلّ والعقد من المسلمين.


5. لو أن الخلاف لم يحدث بين المسلمين بشأن توزيع الغنائم في سرية اليمن التي قادها سيدنا علي، ولو أن بُريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه ما اشتكى للرسول من (غلظةٍ) رآها في علي بهذا الخصوص ولم ينتقص منه، هل كان الرسول ﷺ قال ما قاله فيه حينها "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم وال من والاه..." وهو ما اتخذتموه في غير موضعه تماما؟!

 
6. إذا كان الرسول الكريم ﷺ أوصى لعليٍ بالخلافة كما تقولون فما قولكم في إنه لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ بسط العباس بن عبد المطلب يده لِعَلِيٍّ وقال: ابسُط يَدَكَ أُبَايِعكَ تُبَايِعْكَ النَّاسُ، فَقَبَضَ عليٌّ يَدَه؟ فإذا كان أوصي له فلماذا يقبض يده وهو يعلم أنه الوصي والخليفة؟! والواضح المؤكد أنه لا وصية ولا إعلان للولاية في ما جرى في غدير خم .
 

7. وإذا كان أمر الخلافة كما تزعمون، فلماذا يطلب العباس بن عبد المطلب من علي الذهاب إلى رسول الله لسؤاله عن أمر الخلافة وقد حسمه الرسول في غدير خم كما تقولون؟! حيث روى عبداللهِ بن عباس أَنَّ عَلِيَّ بن أَبِي طالب خَرَجَ مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبا حسن كيف أَصبَحَ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ قَالَ: أَصبَحَ بِحَمدِ اللهِ بَارِئا، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فَأَخَذَ بِيَدِهِ العَبَّاسُ بن عبد المطلب فَقَالَ: أَلاَ تَرَى؟ أَنتَ وَاللَّهِ بَعدَ ثَلاَثٍ عَبدُ العَصَا (أي تؤمر فتطيع)، إِنِّي وَاللَّهِ لأَرَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ سَيُتَوَفَّى فِي وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعرِفُ وُجُوهَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عند الموت، فَاذْهَب بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فلنسأله فيمن هذا الأمر من بعده، فَإِن كَانَ فِينَا عَلِمنَا ذَلِكَ، وَإِن كَانَ فِي غَيرِنَا كَلَّمنَاهُ فَأَوصَى بِنَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: وَاللَّهِ لَئِن سَأَلنَاهَا رَسُولَ اللهِ فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعطِينَاهَا النَّاسُ أَبَدا، فَوَاللَّهِ لاَ نَسأَلُهُ أَبَدا. فإن كان عليٌ يعلم أنه الخليفة والوصي فلماذا يحاور عمه في هذه الأمر وهو له محسوم؟ ثم لماذا امتنع عليٌّ عن سؤال الرسول الكريم ﷺ وخشي أن يمنع الخلافة عنه وعن بني عبد المطلب، فلا يعطيها الناس لهم بعد أن منعها النبي إياهم؟ ألا يتّضح أنه ليست هناك وصية ولا إعلان ولاية؟!


8. ثم لماذا لم يتحدث عليٌ أو غيره عن قصة غدير خم أثناء اجتماع المسلمين في سقيفة بني ساعدة لبحث أمر ولاية أمور المسلمين بعد وفاة الرسول الكريم إن صدق ما قلتم في هذا الخصوص؟!

 
9. أخيراً، ولعلَّ هذا ما يعنينا اليوم بدرجة أكبر، حتى إذا كان النبي ﷺ أوصى لعليٍّ بالولاية، وهو لم يُوصِ يقيناً، هل يعني هذا أن ولاية أمور المسلمين، والناس أجمعين، ينبغي أن تُحصر إلى يوم القيامة في نسل عليٍّ من زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وسلالة ابنه الحسين حصرا؟

هل الصواب أن يكون أمر المسلمين ملكاً عضوضاً، أي مُلكاً وراثياً لا يحقّق المراد الإلهي المنشود من جهة، ومن جهة ثانية يُصيب الرعيّة فيه عسفٌ وظُلْم، وهو ما حذّر منه الرسول الكريم في الحديث المعروف، و"ملكاً عضوضاً" أي ملكاً وراثياً لا أن يكون شورى وبيعةً كما أمر الله تعالى بقوله {وَأَمرُهُم شُورى بَينَهُم}؟!

ونختم المناقشة فنقول إن الثابت تأريخياً أن قصة النصّ على ولاية سيدنا علي في غدير خم اختراعٌ وهميٌ ابتدعه البويهيون في القرن الرابع الهجري ولم يقل به أحدٌ قبلهم، ثم ثبّته الصفويون بحدّ السيف بعد ذلك، وأن علياً رضي الله عنه لم يحتفل به، لا هو ولا أولاده ولا أحفاده ولا جاء ذكر هذه المناسبة نقلاً عنهم . لكن ماذا نفعل لذوي العقول المغيّبة التي لا تسعى إلا لإشعالِ فتنٍ وفرضِ إراداتٍ، مُستقويةً بظروفٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ شاذة، وكل ما فيها لا يحمل من معاني الاستقرار والعدل والفضيلة شيئا؟!

والأيام دول والله المستعان

تعليقات

أحدث أقدم