جعفر المظفر
قبل سنوات كتب الأستاذ نزار فاضل السامرائي , العراقي الأطول أسرا في إيران , وذلك على صفحته في الفيسبوك مقالة وصف في جزء منها الموقف الذي جمعني معه في دار الإذاعة صبيحة السابع عشر من تموز عام 1968 وذلك بعد نجاح الإنقلاب الذي أطاح بالرئيس الطيب عبالرحمن محمد عارف, وفي مقطع من مقالته كتب : (كان في الإذاعة معي السيد عبد الجبار جاسم نوري وهو معي بنفس المنظمة الحزبية أيضا، ، وكذلك السيد عبد السلام علي السلطان، والذي أصبح معاونا للمدير العام في المؤسسة العامة للسينما والمسرح والسيد عبد الجبار أحمد سلطان والذي شغل فيما بعد وظيفة مدير لتلفزيون الموصل ثم تلفزيون كركوك والسيد (جعفر المظفر) والذي كان حينها طالباً في كلية طب الأسنان، كنا نبيت في مبنى الإذاعة والتلفزيون ونتوزع على أرائك مكتب المدير العام ) .
كنت إلتحقت بذلك الفريق الذي تقدمه الأستاذ نزار بعد أن إتصل بي المرحوم (زهير يحيى) وكان حينها عضوا في المكتب الطلابي المركزي للحزب وأعلمني أن الحزب قد اختارني ضمن فريق إعلامي من أربعة عناصر مهمته الدخول إلى دار الإذاعة في الصالحية صبيحة يوم الإنقلاب وذلك بصحبة القوات التي كُلفت بدخول المؤسسة على أن نتابع عملنا بإشراف أحد أعضاء القيادة القطرية والذي ظهر لنا أنه الأستاذ صلاح عمر العلي الشاب الثلاثيني الوسيم الطويل القامة والرفيع الأدب . في اليوم الرابع على وجودنا في دار الإذاعة وكنا نتوزع الأرائك أثناء الراحة أو النوم ونكتب التعليقات التي يُكلف بها بعض المذيعين بلغنا أن السيد عبدالرزاق النايف نائب رئيس الإستخبارات العسكرية الذي أصبح رئيسا للوزراء دخل في نوبة غضب حادة ضد فريقنا الإعلامي مدعياً أن الفريق قد خالف الإتفاق الذي تم بينه وبين قيادة البعث ممثلة بالسيد أحمد حسن البكر والذي قضى أن تكون جميع البيانات والتعليقات محايدة وخالية من أي تنويه قد يصبغ الإنقلاب بصبغة بعثية, وإذا لم تخني الذاكرة فإن (نزار) كانت قد أخذته الحمية البعثية فبدأ يقرأ البيانات بصوته مضيفا عليها بعض الملح البعثي الذي رفع ضغط النايف وجعله يصدر تهديده ذاك . وعن طريق الأستاذ صلاح عمر العلي وصلتنا مع أحد مرافقيه قصة الغضب ذاك مع تهديد النايف بإنه سيهدم الإذاعة على رؤوس من فيها إذا لم ينسحب الفريق البعثي منها, وكنا قد غادرنا صباح اليوم الرابع إلى مطعم مجاور لكي نتناول فطورنا وحينما عدنا منعنا عسكر الإذاعة من الدخول , فكان أن تفرق الفريق كلٌ إلى مقر عمله, وقد عدت إلى غرفتي في الدار المخصصة لسكن طلبة المحافظات في العيواضية, والذي لم يكن يبعد عن الكلية سوى مسافة لا تزيد على الثلاثين متراً .
كثير من البعثيين كانوا مهتمين كثيرا بإعادة ترميم سمعة الحزب التي كانت قد ساءت بعد تجربة الحكم الشباطية, وكانت فترة التسعة شهور التي عاشها الحزب بعد تأسيس جمهوريته الأولى عام 1963 مليئة بالأخطاء الكارثية . وبأشكال متعددة ظهر الإنقلاب البعثي وكأنه حركة ثأر وليس حركة ثورة , حتى إذا ما تمكن البعثيون وبدون رحمة من القضاء على خطر أضدادهم الشيوعيين فقد توجهوا للقضاء على أصدقائهم وحلفائهم القوميين الذين شاركوهم الإنقلاب على قاسم . لكن, وبعد أن ضعفت جبهة الخصوم الشيوعيين والقوميين , راح الحزب الذي كان قد ترعرع وشَبَّ في ساحة المواجهة الدموية مع الشيوعيين , حيث نمت عضلاته على حساب عقله, راح يأكل بعضه البعض, وصار العراق في تلك الفترة بلداً للإنتقام والفوضى الأمر الذي أتاح لعبدالسلام عارف فرصة القضاء بكل سهولة على تلك الجمهورية الخائفة والمخيفة .
إرسال تعليق