د.محسن يوسف
في البدءِ كانت الثورة ، خاض غمارها قادة البعث الثائر فنقلوا العراق من دولةٍ نامية ضعيفة الى دولة تملك ثرواتها وقرارها . فبدأت عملية البناء التي استندت على أسسٍ علمية بتوجيهات قادتها التاريخيين الذين تميزوا بالنزاهة وبحسن إدارة الدولة وبالاعتماد على الخبرات الوطنية والكوادر المتعلمة، خاصّةً بعد ان امتلك العراق ثروته بقرار التأميم التاريخي. فبدأت معالم النهضة ترتسم على كافة مناحي الحياة في العراق الذي تجاوز في حقبة زمنيّة قصيرة كل المعوقات التي كانت تطبع مسيرة الحياة فيه . فخطط التعليم المدروسة ، ونهضة الصناعة والاقتصاد والزراعة التي اعتمدت على خطط خمسية وأخرى بعيدة المدى بعد أن تم تعزيز وتفعيل وزارة التخطيط التي استندت على الاحصائيات العلمية للموارد البشرية وامكانات البلاد وحاجاتها المستقبلية ووضعت الرجل المناسب في المكان المناسب. وأعيد بناء الجيش القادر على صيانة المكتسبات والدفاع عن الحدود مما جعله من أفضل جيوش المنطقة تنظيماً وإعداداً وتسليحاً . فساهم في الذود عن العراق وحمى دمشق من السقوط وساهمت طلائعه الجوية في دك أسوار خط بارليف وكان له حضوراً قومياً مميزاً في الدفاع عن السودان وموريتانيا وأنّا دعاه الواجب القومي .
واستمرت مسيرة العطاء التي شملت كل الصعد وكان أولها بناء الإنسان فتم انقاذ العراق من الأمية في زمن قياسي واستحدثت الجامعات على أسس علمية متقدمة والتي لم تكن حكراً للعراقيين فقط وإنما استقبلت على مقاعدها آلاف الطلب العرب الذين تخرجوا وعادوا لبلادهم لنقل التجربة البعثية النهضوية الرائدة . هذه القفزة الحضارية النوعية التي شهدتها كل جوانب الحياة في العراق لم تُترَك في سبيلها من قِبَل قوى الشر والعدوان!، فتكالبت عليها لتسرق من العراق انجازاته، فكانت الحرب العدوانية من الشرق التي عجزت عن ايقاف عجلة التقدم، لكن ارادة الخير انتصرت على الشر في 08/08/1988 . وبالرغم مما واجهه العراق من استهداف انتهى بحرب ال 2003 العدوانية لقوى الكون الشريرة التي انتهت باحتلاله ، بقي العراق بمقاومته التي قادها فكر وعقيدة ومبادئ نفس اولئك الأبطال الذين صنعوا مفخرة 17 تموز المجيدة . وبعد احتلال العراق وامعاناً في تحقيق اهدافه الهدّامة للدولة والمجتمع على حد سواء، بدأت التصفيات الجسدية تطال علماء العراق وقادته العسكريين النجباء ورفاقهم في البعث العظيم بعد ان بدأ تطبيق قانون بريمر سيء الصيت، ثم وصل الامر ذروته بإعدام شهيد العراق والأمة الرفيق الأمين العام للحزب . واستمر أحداث الانهيار المُمَنهَج في بنية العراق الحضارية، بهدف جعله بؤرةٍ متخلفة تسودها الطائفية والعنصرية التي بنيت على الحقد الفارسي التاريخي الدفين، والذي تنفذه الأدوات الخيانية التي اشهرت عمالتها للأجنبي برعاية أمريكية، وكأن كل تضحيات العراق لم تشفِ غلَّ الاعداء فراحوا ينشئون فرق الموت وغيرها من المليشيات للقضاء على كل بارقة أملٍ لمستقبل العراق . إلا إنه رغم طول الزمن، وعِظَم التضحيات، فلا أوامر بريمر ولا الاغتيالات ولا قانون الاجتثاث الاجرامي ولا قانون (4 ارهاب) استطاعت استئصال البعث المتجذر بالعراق، الراسخ رسوخ جذور النخيل فيه . فألف تحية لمفجّري ثورة تموز المجيدة . والمجد والخلود لشهدائها الأبطال، قادة وعلماء ومهندسين وخبراء وكوادر وغيرهم، الذين صنعوا بعقولهم وسواعدهم، وكتبوا بدمائهم حقبة مشرِّفة لتجربة البعث التي لا بد تولد من جديد .
إرسال تعليق