ماذا لو أنتصر اليمين في أوربا ...؟

مشاهدات



ضرغام الدباغ


الهواجس تملأ رؤوس القادة الأوربيون ... المخاوف في الشارع بل في عموم المجتمع يتساءلون إلى أين ..؟ هل ما نشهده اليوم هو تكرار لما شهدته أوربا في مطلع ثلاثينات القرن الماضي البعيد (قبل 90 عام)، وهل سيتكرر نفس السيناريو ..؟ السيدة أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوربية، صرحت بالحرف الواحد : أن اليمين المتطرف سيدمر أوربا. وقالت محذرة بعبارات قوية  : " إن أوروبا تواجه تحديا لم يسبق له مثيل من جانب الشعبويين والمتطرفين والديماغوجيين (تقصد أحزابا يمينية متطرفة، خصوصا حزب البديل من أجل ألمانيا والتجمع الوطني في فرنسا) واضافت فون دير لاين "هؤلاء المتطرفون لديهم شيء واحد مشترك، إنهم يريدون إضعاف أوروبا وتدميرها وتخريبها "، متعهدة بقولها أننا لن نسمح "بحدوث ذلك أبدا".. والانتصار أيا كان حجمه في فرنسا، سيكون له تداعياته، وسيقود إلى تصدعات في بلدان أوربية أخرى، وربما لنتائج في الواقع المادي . ومن تلك تحذير الرئيس مكرون، أن البرامج الانتخابية التي يقدمها اليمين المتطرف واليسار المتطرف، قد تؤدي إلى حرب أهلية في فرنسا،..! وأشار المؤرخ والكاتب البريطاني تيموثي غارتون آش، في مقال نشرته صحيفة “الغارديان”، إن “أوروبا التي احتفلت للتو على شواطئ نورماندي بذكرى مرور ثمانين عاما على يوم الإنزال (D-day) والذي شكل بداية تحررها من الحرب والقومية والفاشية، تواجه الآن مرة أخرى الفاشية والقومية والحرب”. هل سيكون لفوز اليمين الأوربي تداعياته على الصعيد الاقتصادي ..؟ تؤكد التقديرات أن الاقتصادات الاوربية الآن ما تزال تحمل تداعيات أزمة كورونا، ولم تتعافى منها، وجاءت ازمة أوكرانيا واحتراق المزيد من مليارات اليورو في ساحات أوكرانيا، وضخ المساعدات العسكرية وقبول تدفق مئات ألوف اللاجئين الأوكران،  كانت له آثاره السلبية على الأداء الاقتصادي . وظروف سياسية مضطربة التي تشهدها أوربا، سوف لن تكون إلا عاملا سلبياً مضافاً، يعقد المشكلات ولا يساهم في حلها . ومن جهة أخرى سيكون لفوز اليمين الفرنسي وقعه في بلدان أوربية أخرى، : ألمانيا (اليمين فيها هو الأكثر تطرفاً)، وهولندا، والنمسا، والتشيك، وإيطاليا (ويحكمها حزب يميني)، وهنغاريا (ويحكمها حزب يميني)، وفي مداولات أولية اتفق قادة هنغاريا والنمسا(حزب الحرية النمساوي) والتشيك (الحركة الوسطية التشيكية)، بإقامة تجمع يميني ( وطنيون من اجل أوربا)، وقد تعهدوا بإقامة أوثق الصلات مع حركات يمنية أخرى في أوربا داخل البرلمان الأوربي . كما أن الموقف الانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تأثيره البالغ ، واحتمال فوز ترامب ، أو فوزه سيكون عاملاً حاسماً .

 

أعلن اليمين المتطرف، (30 / حزيران)، عن استعداده لحكم فرنسا، إذ صرح جوردان بارديلا، رئيس "التجمع الوطني" خلال عرض برنامجه "نحن مستعدون"، إن حزبه هو "الوحيد القادر الآن وبشكل معقول على تحقيق تطلعات" الفرنسيين. وفي مجالات السياسة الخارجية أكد أن فرنسا ستواصل دعمها لكييف ، لكنه سيعارض إرسال صواريخ بعيدة المدى وقوات فرنسية إلى أوكرانيا . كما استبعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، زاعماً "أن ذلك يعني الاعتراف بالإرهاب "، وهو نفس ما تردده تصريحات صهاينة إسرائيل . واتخاذ موقف أكثر تشددا بشأن الهجرة ، ومعارضة حازمة للتدابير الخضراء اللازمة بشكل عاجل لمعالجة أزمة المناخ، وخفض الدعم لأوكرانيا ، (وأرجح أن مساعي السلم في أوكرانيا ستكون جدية أكثر، وستدرك القيادة الأوكرانية أنه لا يمكن على أية حال الاعتماد كثيرا على موقف الاتحاد الأوربي، وعلى وعودهم ، وأنهم سوف لن يدعموا القيادة الأوكرانية أكثر مما فعلوا منذ اندلاع الازمة منذ أكثر من عام . أما إذا فاز ترامب في الانتخابات الأمريكية ، الذي يعد الأمريكيين بالامتناع عن الغوص في الوحول الأوكرانية علناً . وهذه المؤشرات ستكون مشجعة لموسكو، والتيار الذي يؤيدها سراً وعلانية، في أوربا والعالم، كما سيكتسب التحالف الصيني ــ الروسي عمقاً جديداً وزيادة في الترسخ، وليس بمستبعد ظهور تكتل يقابل اليمين الأوربي، بقيام تكتل من الدول السيريلية (أوربا الشرقية) يبدي المواقف الإيجابية حيال موسكو، طردياً كلما يتراجع الأمل باوربا الموحدة القوية والثرية . أما الاتحاد الأوربي، فمصيره سوف لن يحسم بسرعة، ولكنه سيمر بمرحلة انعدام وزن، غير ذي فاعلية مهمة، وإن كان قادة اليمين يتوعدون الاتحاد والمفوضية الأوربية (نخبة بروكسل) بالانسحاب وقادة اليمين الفرنسي، والهولندي، والدانمركي يصرحون علناً بمغادرة الاتحاد الأوربي و (استعادة السيطرة الوطنية من بروكسل) . أما التدهور الكبير، فلا يمكن استبعاده، أن تشهد القارة الأوربية صراعات سياسية ربما تتحول إلى أجنة نزاعات مسلحة فمعظم الدول الأوربية خسرت أجزاءا من أراضيها أو تناولت باتفاقيات إذعان، تعود لتطالب بها، السلام الأوربي والاستقرار الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، والسلم بعد أن حل حلف وارسو 1999 نفسه، وهذه كانت مثل كمادات باردة لجروح ملتهبة. أنتهى مفعولها .

 

أين تكمن مصالح الأقطار العربية في خضم هذه العواصف والاعاصير ...؟

أبتداءا فأن الأمة العربية واجهت مكائد، ومواجهات علنية وسرية ، والعمل على إضعافها، منعها من التقدم، وتوحيد قواها، ولم تترك الدول (الديمقراطية) وسيلة إلا واستخدمتها بما في ذلك الحروب الطاحنة وأجتياح الدول بدون مبررات وتدميرها، حتى أصبحت هدفا معلناً، وجرى ابتزازها، وما جرى في العراق هو مثال حي على الخرق التام المتعمد للعلاقات الدولية .  وقد أسفرت انتخابات البرلمان الفرنسي، بتوزيع أصوات وكما يلي :  توزيع الأصوات ــ الجولة الأولى

• التجمع الوطني/ يمين متطرف : 33,5% 

• الجبهة الشعبية الجديدة/تحالف يساري : 28,5%

• تحالف الرئيس ماكرون/ ليبرالي : 22,1%

• الجمهوريون/ حزب محافظ : 9,7%

• آخرون : 6,2%


ووفق القائمة أعلاه، فهي تنطوي على احتمالات شتى، فمن جهة اليمين المتطرف ، والأطراف الأخرى من جهة أخرى ... إذا ما ...! وحتى انتظار الجولة الثانية الحاسمة، ستدور مفاوضات في الكواليس، والمفاوضات الحاسمة ستكون بين طرفان ، إذا ما أتفقا ، سيكون بالإمكان دفع اليمين جانباً وهما : الجبهة الشعبية الجديدة / التحالف اليساري، وتحالف الرئيس ماكرون / الليبرالي وسيكون بحوزتهما نحو 50,6% (بالطيع هذا الرقم قابل للزيادة والنقصان في التصويت للجولة الثانية) . وإلا عليهما مواجهة احتمال انفراد اليمين المتطرف وما سيتبعه من سيناريوهات . الحسابات العقلية المنطقية تفرض على الطرفان : اليسار وماكرون، التحالف ضد اليمين، ولكن هذا ليس بالامر السهل، فالطرف الآخر اليميني المتطرف ستكون له مناوراته، ووعوده التي سيقطعها علناً للناخبين، ثم للكتل السياسية الأخرى وأهمها الكتلة اليسارية ، وكتلة ماكرون، وقد تكون هناك تعهدات علنية وأخرى قد لا يفصح عنها، الأمر بمجمله ما يزال ينطوي على احتمالات كثيرة، منها بالطبع وصول اليمن المتطرف للسلطة، وهناك رأي في أوساط الناخبين والسياسيين : أن دعوا اليمين يصل للسلطة للمرة الأولى وسيكتشف بنفسه واقعياً أن حساب الحقل هو غير حسابات البيدر، وسوف يفشل في إدارة الدولة والحكم، وسيفشل في أول انتخابات مقبلة . بيد أن قبول هذه النتيجة لا تخلو من مجازفات، لأنه سيكون من غير السهل حساب تداعيات الموقف أوربياً، بل وحتى فرنسياً، ومثل هذا الاحتمال أو ما يشابهه ، فشل فشلا ذريعاً في انتخابات عام 1933 في ألمانيا حين فاز النازيون، وظن الكثيرون أنهم سيفشلون في إدارة الدولة ، ولكن النازيون خيبوا ظنون الجميع، حين نجحوا في حل مشكلات ألمانيا، الاقتصادية والسياسية / الداخلية والخارجية، ولكنهم حين بالغوا في استخدام قواهم ، والإصرار على كامل برنامجهم دون تراجع ، قادهم إلى تناقضات معقدة في الوضع الأوربي والعالمي، ثم لسلسلة من الأخطاء السياسية والميدانية، فكانت الكارثة التي لما تزل بعض آثرها ماثلة ليومنا هذا . هل أوربا على موعد من مشكلات جديدة ... وهل المشكلات من النوع الذي تحله طاولة المفاوضات ..؟ أو الأمور حين تدور تتعقد ...وكل دولة تبحث عن مصالحها في البحر الذي يناسبها ....!

تعليقات

أحدث أقدم