جاسم الشمري
التريخ العراقيّ الحديث مليء بالانقلابات العسكريّة، والعراقيّون مُتعايشون مع الانقلابات منذ عشرينيات القرن الماضي، ويقال بأنّ انقلاب الفريق بكر صدقي في 29 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1936، يُعدّ أوّل الانقلابات العسكريّة في الوطن العربي، وقد طالب الانقلابيّون حينها باستقالة وزارة ياسين الهاشمي ! وتعدّ ثورة رشيد عالي الكيلاني في شباط/ فبراير 1941، واحدة من الانقلابات العسكريّة المُبكّرة، والتي أسقطت الوصيّ على عرش العراق الأمير عبد الإله، وشَكّلت حكومة جديدة برئاسة الكيلاني رغم فشلها لاحقا ! وتعتبر مؤامرة أو انقلاب 14 تمّوز/ يوليو 1958 بداية المراحل المليئة بالاضطرابات والانقلابات، بعد أن سَحَق الانقلاب بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم العائلة المالكة، وقَتْل الملك فيصل الثاني وعائلته ، والوصيّ عبد الاله، والباشا نوري سعيد؛ رئيس الوزراء حينها! وتلتها محاولة انقلابيّة فاشلة للعقيد عبد الوهاب الشَّوَّاف في العام 1959 ضدّ عبد الكريم قاسم !
وكرّر الكيلاني محاولته الانقلابيّة في العام 1963، ولكنّها باءت بالفشل ! ولاحقا وقع انقلاب الثامن من شباط/ فبراير 1963 بزعامة عبد السلام عارف أطاح بالزعيم قاسم، وتولّى عارف رئاسة الجمهوريّة ! وآخر الانقلابات حدث عبر ثورة 17 تمّوز/ يوليو 1968، وأطاح بحكم الرئيس عبد الرحمن عارف الذي نُصِّب خلفا لشقيقه الرئيس عبد السلام عارف، الذي قُتل في حادث طائرة في البصرة"، وتَولّي حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ للحُكم ، حيث تم تنصيب أحمد حسن البكر رئيسا للجمهوريّة بعد نفي عبد الرحمن عارف إلى خارج العراق ! وبعد أكثر من 35 سنة من حكم البعث العراقيّ دخلت البلاد في العام 2003 مرحلة مظلمة وقاسية لا يُمكن تسميتها بالانقلاب ، بل هي وفقا لكافّة العهود والمواثيق الدوليّة مرحلة احتلال قاتلة سحقت ملايين الناس تحت الأرض وفوقها ! وخلال مراحل الاحتلال أُجْريت العديد من الانتخابات أنتجت حكومات مُترهلة لم تتمكّن من بناء العراق؛ رغم الدعم الأمريكيّ والغربيّ والإمكانيات الهائلة التي تمتلكها! واليوم، وبعد أكثر من عقدين، صرنا نسمع بتصريحات شبه رسميّة وغير رسميّة عن تغيير أو انقلاب في العراق! وربّما كانت محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء المؤقت مصطفى الكاظمي، يوم 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أوّل محاولة انقلابيّة ظاهرة ! وقد يكون السياسيّ "فائق الشيخ علي"، أوّل مَن تحدّث عن انقلاب أو تغيير في العراق بعد العام 2003 ، خلال مشاركته في برنامج "القرار لكم" على "قناة دجلة" في الخامس من تمّوز/ يوليو 2022! وأكّد الشيخ أنّ "العام 2024 أقصى موعد لإسقاط النظام السياسيّ العراقيّ الحاليّ"! وحينما سُئل عن القوى التي تقف وراء الانقلاب قال : "لن أفصح عن ذلك، وأتحفّظ على الطريقة التي سيسقط بها النظام الحاليّ، لكن هناك فريق دوليّ عظيم يُخطّط الآن وسينهي كلّ شيء عن طريق قوّة ضاربة ومدمّرة قادمة، ولن تَرحم السياسيّين الفاسدين"! وكلام الشيخ ربّما هو حقنة تخديريّة طويلة الأمد للحالمين بالتغيير! وأغرب التصريحات المتعلّقة بالانقلابات تصريح حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، في 25 حزيران/ يونيو الماضي، حيث أكّد أنّ الانقلاب العسكريّ في العراق "وارد، والشعب قد يرحّب بذلك، لا سيّما إذا وضع قادة الكتل السياسيّة في السجون"!
وهنالك مَن يدّعي بأنّ زعماء بغداد تلقّوا قبل أيّام، رسائل أمريكيّة تدعوهم لعدم الانجرار إلى الصراع المحتمل بين "إسرائيل" وحزب الله اللبنانيّ، وتُحذّرهم من انهيار وشيك لنظام الحكم، وأنّ الغرب يُفكّر بجدّيّة في تغيير المشهد السياسيّ بعد أن تأكّدوا من "تبعيته لإيران"! ويبدو أنّ بعض القوى المالكة للسلطة والسلاح تُريد أن تُوصِل العراق لمرحلة انهيار جديدة، ولهذا هاجم "حزب الله العراقيّ" زيارة رئيس الحزب الديمقراطيّ الكردستانيّ مسعود بارزاني لبغداد بداية الشهر الحاليّ، وشكّك بنواياه، رغم عدم تطرّق بارزاني إلا لاحتماليّة اتّساع الصراعات الإقليميّة في المنطقة، وحثّ الجميع على إبعاد العراق عن تلك الصراعات ! وتجاهلت حكومة إقليم كردستان هذه التصريحات الاستفزازيّة، ولكن بالتوازي سارع بنكين ريكاني، وزير الإعمار في حكومة محمد شياع السوداني والقيادي في حزب بارزاني، إلى نفي تسريبات صحفيّة متعلّقة بالزيارة، ورَدَّ بطريقة غير مباشرة على الجميع، عبر منشور على منصة "إكس" (تويتر سابقا) كتب فيه : "أُهنّئكم على خيالكم (..) كلّ ما قِيل لم يَحدث"! والتخوّف من "حدث خطير" في العراق أكّده رئيس تيّار الحكمة الوطنيّ عمار الحكيم، الذي بيّن في الخامس من تمّوز/ يوليو الحالي أنّ "كلّ مَن یسعى أو یفكر في استهداف العراق مجددا سیجد رجالا لا یھابون الموت، ولا يضعفون أمام التهدید، وستكون نھایته على أيدي رجال حُسَینیّین یرون في الشھادة شرفا وكرامة ونصرا"! وهذه جميعها دلالات واضحة على وجود مخاطر ومخاوف مؤكّدة وسرّيّة تُناقَش خلف الأسوار العالية والمغلقة! فهل الانقلاب المحتمل سيكون عراقيّا خالصا، أم سيكون بدعم أجنبيّ؟ أم هي مجرّد أوهام وأحلام تهدف لتخدير الناس، وإدخالهم بمرحلة سُبات جديدة . الدول العادلة لا تخاف من الانقلابات لأنّ الجماهير، غالبا، ستُدافع عنها، والدول الظالمة ستجد أنّ المواطنين سيساندون أيّ محاولة للتغيير ولو كانت هامشيّة!
تقول العرب الكيّ آخر العلاج ، فهل الانقلاب هو الكيّ ؟
إرسال تعليق