صفحة من أوراق حياتي

مشاهدات


 

أقدس المدائن

 

كعادتي كل يوم أستيقظ مبكرة لأهيء نفسي للذهاب الى عملي ... في هذا اليوم وعلى غير العادة لم أكن على مايرام ولم استطع تناول فطوري ... لكن . قلت في قرارة نفسي سأكون بخير وأعود الى البيت واتناول الغداء مع عائلتي ... وانا في الطريق وتحديدا في الساعة ال 8 والنصف صباحا ... كان القدر في انتظاري ليضع بصماته على صفحة من صفحات حياتي ومامكتوب يجب أن يتحقق ... ولو بعد حين .. 

 

في 07/07/2004 والذي يصادف يوم الاربعاء وصلت الى دائرتي وكالعادة بدأتُ امارس عملي وكان معي موظف كبير في السن ومن المدخنين المدمنين جدا ... كنت أتحاشاه لأنه يؤذيني . وفي هذا اليوم بالذات ذهبتُ بعيدا عنه وجلست في غرفة الدكتور المسؤول . وكنت اقلب الصحيفة وابادله الحديث . وفجأة وبلا سابق انذار واذا بقذيفة هاون تسقط وتحطم كل شيء ... انا ومن معي كنا الأكثر تضررا بالحادث ... عدت لوعي ولكن كنت أشاهد السماء سوداء وفيها ذرات ناعمه تلمع ... وصوت من معي يصرخ لقد توفينا ويكررها ... فتحت عيني والدخان يملئ المكان . والغرف والأشياء مدمرة ورائحة البارود منتشرة فيه . حاولت أن ألملم نفسي وأخطوا خطوات بطيئة حتى لا تسوء حالتي ... ومشيت ولكني لم أعلم أن الإنفجار ترك آثاره بجانب الزجاج الذي اخترق جسدي من جهة الظهر لتدخل الشظايا ومنها الى الرئة وتستقر فيها وفي الجهة اليمنى من الرأس في الجمجمة . كانت الدماء تنزف بغزارة ولكني لم أكن اشعر بها ولهذا كنت احاول الوصول ومشيت قرابة ال 15 متر ثم خارت قواي وجلست في الشارع . ولم أقوى على التنفس . ثم سمعت أصوات شبَّان يصرخون أنها مصابة لنحملها الى مُستشفى اليرموك وكان الزحام في الشوارع لايطاق . حاولوا أن يجعلوني اتكلم حتى لا أغيب عن الوعي وأدخلوني للطوارئ فورًا والكل يركض هنا وهناك ولكن قواي بدأت تنهار شيئًا فشيئًا .  وضعوني على سرير وبدأوا يعطوني الاوكسجين لأتنفس واخرين يتصلون هاتفيا كنت اشاهدهم وهم يتحركون كخلية النحل من اجل إنقاذي والاخرين ... كانت الاصابات كثيرة والمستشفيات تعج بالناس . وكل هذا ولم أنسى ربي فقد كنت اذكره واستغفره وأقول الحمد الله على كل شيء ...

 

أخبروني بعدها أن أمي كانت تشعر بأن هناك شيء . سمعتها تقول لهم عندما ودعتني صباحا . رأيتها جميلة جدا وهي ليست كباقي الايام ... وعندما سمعت صوت الانفجار شعرت أنه وقع في قلبي الذي اعتصرني واعتراني الخوف وعقلي لم يكن يشعر بالراحة ابدا... كنت انا احاول الا يصل اليها الخبر وتصيبها صدمة  ... لكن زملائي اتصلوا بعائلتي حين كنت في حالة لا أحسد عليها ... ادخلوا الى رئتي أنبوبا للتنفس دون مخدر وانا اكتم صرخاتي ووجعي ودموعي والاطباء حولي دخل أناس لا أعرفهم وأطباء من كل اختصاص  وجارنا والأهل ... وأنا ممددة على السرير ...وحالتي حرجة جدا بقيت قرابة ال8-10 أيام حتى اجتزت الخطر ...  مدَّ الله في عمري ومنحني حياة جديدة .. ولقد تعلمت من هذا اليوم أشياء وحكم وعبر كثيرة  منها . اعمل الخير تجده أمامك . كان يأتي عليّ مُشرف على الردهات ويقول لي . من أنت . انظر إليه ولا يمكنني أن أرد .. يكمل كلامه ماذا فعلت ؟ لقد تجمعت حولك كل المستشفى . الأطباء والناس والأصدقاء والأقارب .. ماهو الخير الذي فعلتيه حتى تحصديه هكذا ... كان يمازحني ...ويقول أريد منك كمية صغيرة من الذي قدمتيه للناس ... وتعلمت أيضا ألا ننسى أننا كل يوم في اختبار من الله ليرى قوة تحملنا على المصائب وتعرف صديقك من عدوك ... وهل ماقدمناه يثمر أم لا ... كنت عندما أشاهد الناس المصابين وهم ينقلون على أسرة الطوارئ أرثي لحالهم وأقول الله يكون بعونهم . وصرت أنا مثلهم ومرت الأيام وحتى هذه اللحظة وانا احتفظ بالشظايا التي اخترقت حياتي وايامي وأصبحت جزء من ذكرياتي التي لاتنسى ابدا . وهي واقعة حقيقية حدثت لي أنا . كتبتها حتى انقل لكم احدى الصور اليومية المؤلمة التي رأيناها في عراق ما بعد  2003 .

تعليقات

أحدث أقدم