فاطمة المزروعي
يرجع الكثيرون ومنهم ماري بيليس في كتابها الذي حمل عنوان : تاريخ السيارات. أن صناعة أول سيارة كانت في عام 1769م على يد المهندس الفرنسي نيكولاس جوزيف، عندما نجح في توظيف الطاقة البخارية لتحريك السيارة التي كانت من ثلاث عجلات . ومن المفارقات أن هذا المخترع بعد نحو عامين وخلال قيادته لسيارته الجديدة ارتطم بها في جدار فكان أول حادث يسجل في التاريخ . دون شك أن هذا المهندس الفرنسي يدين بالفضل للمحرك البخاري الذي اخترع على يد توماس سافري، واستمرت السيارة البخارية تجد المزيد من المبتكرات والتطوير والمزيد من التحسينات، وبعد نحو 117 عاماً دخلت صناعة السيارات منعطفاً حيوياً ومهماً بدخول حقبة الذهب الأسود ومشتقاته من البنزين والديزل وغيرها، فتم عام 1886م اختراع السيارة التي تعمل على البنزين على يد كل من كارل فريدريش بنز، وغوتليت دايملر، وحصلا على براءة اختراع السيارة التي تعمل على البنزين.
وبعد الحرب العالمية الثانية دخلت السيارات التي تستخدم الديزل كوقود، وفي منتصف التسعينات أعلنت شركة تويوتا عن أول سيارة تعمل بالكهرباء، وكما نعايش اليوم ونشاهد فإن السيارات الكهربائية تتزايد، وفي المجمل فإن التقنيات والمبتكرات في مجال صناعة السيارات لم تتوقف، ويوجد تنافس كبير ولا يتوقف في هذا المجال، حتى بتنا نسمع عن السيارات الطائرة . لكن الذي يجب التوقف عنده ملياً أن السيارة واختراعها ومختلف مراحل تطورها أدت إلى تغير كبير في رتم الحياة الاجتماعية للناس، وأيضاً أسهمت في تغييرات ثقافية، وتبعاً للتوسع في مجالات صناعة السيارات ظهرت صناعات موازية لا تقل حيوية ولا تقل أهمية عن السيارة نفسها، فقد تم إنشاء الطرقات والتطوير فيها والابتكار، وظهر مجال طبي جديد المعني بعلاج الإصابات من الحوادث المروية، فضلاً عن هذا ظهرت تشريعات قانونية وأنظمة مرورية، وتطورت صناعات كانت قائمة لكن بوجود السيارات وجدت زخم ودفعة قوية، مثل صناعة الحديد والخشب والألمنيوم والبلاستيك، فهذه الصناعات باتت جزءاً مهماً عند صناعة السيارات، وتطورت علوم مثل الهندسة الكهربائية والأنظمة الذكية التي نراها اليوم تدخل في تشغيل السيارات الحديثة.
أيضاً أسهمت السيارات في ازدهار صناعات مختلفة لكن في مجال آخر وهو النقل. حيث دخلت الشاحنات وبدأت في عمليات النقل إلى مسافات بعيدة عن مقر صناعتها وإنتاجها، وهذا مكّن التجار من فتح أسواق جديدة والتوسع في تجارتهم وقد كان للسيارة الفضل الأول. بطبيعة الحال أسهمت السيارات في المزيد من التواصل بين الناس وربطت الأرجاء البعيدة بعضها ببعض، وسهّلت تنقل القوى البشرية الباحثة عن العمل ومصدر الرزق. ومع الفوائد الجمة والتي لا تحصى لدخول السيارات في حياة الناس، إلا أنها كأي مخترع واجهت نقداً ومعارضة، ولكن هذه الأصوات الناقدة تزايدت منذ عام 1920م وهو العام الذي يعتبره البعض من المختصين الذي انتشرت فيه السيارات بشكل كبير، ومن أهم مواضيع النقد أن السيارة ملوث متحرك للبيئة، وبسببها يموت الكثير من الناس نتيجة للحوادث المرورية، ومن التهم الموجه للسيارة أنها تزيد من النزعة الفردية لدى الإنسان . ولكن مثل هذه الأصوات ضعيفة ولا تشكل أي خطر أو تهديد على هذه الصناعة المهمة والحيوية، خاصة مع تزايد الاعتماد على المركبات الكهربائية، وأيضاً مع صرامة الأنظمة المرورية وانتشار كاميرات الرصد الآلي التي تراقب السرعات . لتبقى السيارات واحدة من أهم المخترعات البشرية التي اشتغل الإنسان لعقود طويلة على المزيد من التطوير والابتكار فيها، حتى باتت جزءاً من حياة كل إنسان، والسؤال البديهي في هذا السياق أين نحن من هذه الصناعة ؟
إرسال تعليق