د.فارس الخطاب
لم تترك تجارب التاريخ حقلاً دون غيره من حقول الإدارة والقيادة إلا وأشبعته تحليلاً ، فيما آلت إليه أمور الدول والمؤسسات، التي أدارها مسؤولين غير أكفاء أو غير مسؤولين أو فاقدين للقيم الأخلاقية الشخصية والإدارية ، تماماً كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها يا رسول الله قال إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". وعند النظر إلى تجارب العلاقات الإنسانية، نجد أن جل ما أصابها، ويصيبها من ويلات ودمار وسقوط ، هو بسبب وجود أشخاص غير كفؤين على رأس إدارة ما وبكل التخصصات، فالرجل الفاشل بالقيام بدوره كزوج وكأب سيكون عنصراً أساسياً في إنشاء أسرة مفككة ، والمدير الفاقد للأهلية العلمية والإدارية والأخلاقية سيذهب بمستوى وإنتاجية دائرته إلى القاع ، ورئيس تحرير صحيفة ما سيذهب بعنجيته وعدم مصداقيته ، بها من ركن الصحف الموضوعية إلى الصحف التي تخدم مصالح معينة ، وهكذا وصولاً إلى رؤساء الدول المتهورين المثبورين الذين يكونون بإفعالهم وقراراتهم سبباً في دفع بلادهم وشعوبهم إلى كوارث وويلات تفضي إلى هلاكهم أو فقدانهم لسيادتهم .
نعم، إذا أسند الأمر إلى غير المؤهل في أي مهمة ، معنى ذلك ونتيجته ، ضياع الأمانة بمعناها الشامل وليس الحصري ؛ كـ (التخطيط ، التنفيذ، التوجيه، الأداء، الكلمة ، وفي الرأي، وغيره) ، ومن مصائب هذا الإسناد ودوافعه الخطيرة ، هو أن يكون المسؤول إضافة إلى عدم أهليته "محابياً" على حساب الموضوعية والمهنية في العمل وسياقاته ، بما يعني تحّيز وإرضاء بكل القرارات لصالح مزاج ومآرب من أسند الأمر له ، وبالتالي ستفقد المؤسسة هويتها وثقة الجمهور والعاملين بها، وخاصةً إن كانت هذه المؤسسة سياسية أو إعلامية ؛ فآثار ذهاب الرؤساء فاقدي الأهلية بعيداً في التصرف الفردي والمزاجي في التعامل مع تفاصيل مسؤولياتهم ستعني فيما تعنيه التأثير السلبي على سمعة مؤسساتهم وعدم مصداقيتهم وبالتالي بقاءهم في الواجهة من عدمه . إن العمل تحت إدارة "مسؤول مثبور" يسبب شعوراً عاماً لدى جميع العاملين فيها بالإكتئاب وعدم القدرة على الإنجاز وقد تتطور إلى تعمد إنخفاض الإنتاجية رغبةً منهم في تسريع (قيامة) مديرهم (المثبور) ، وقد يكون من مصلحة الجهات التي وضعت هذا المسؤول على رأس الهرم الإداري أن تسارع بتغييره بآخر ممن لديهم القدرة على إعادة بناء الثقة بين المؤسسة والعاملين بها، وكذلك جمهورها الخارجي ، من خلال التأكيد على القيم المهنية والأخلاقية ، وضمان العمل مع الجميع دون تحيز أو محاباة ، ثم الإستماع والحوار مع أصحاب وجهات النظر المختلفة وصولاً إلى قرارات موضوعية يقدرها الجميع ، وتمضي بالمؤسسة إلى بلوغ أهدافها وبمعدلات إنتاجية متصاعدة . ترى كم من غير المؤهلين والمحابين، أسندت إليهم أمور مؤسسات تحتاج ذوي الخبرة والدراية العلمية لنجاحها؟؟ وكم دولة ومؤسسةً ذهبوا بجماهيرهم نحو الهلاك وتراجعوا عشرات السنين كي يكونوا خارج حسابات التاريخ وقوانين العمل؟ وكم هو صعب، تَقبُل ، رئيس مثبور ، في عالم التقنيات والبرمجيات والفضاء المفتوح ، كم ؟
إرسال تعليق