د.محمود خالد المسافر
استمعت اليوم الى اعتراف سعود الناصر الصباح سفير الكويت الى واشنطن والذي استخدمت وسائل الدعاية الأمريكية ابنته الطفلة نيّرة لتمرير كذبة مستشفى الاطفال في الكويت على العالم . استمعت اليه في تسجيل لمقابلة قديمة له مع تلفزيون الكويت وهو يتحدث عن دعم اللوبي اليهودي في الإدارة الأميركية لقضية الكويت في الداخل الأميركي وعلى مستوى مجلس الأمن والموقف الدولي . هكذا يعترف بدون خجل بالتعاون مع الشيطان من أجل الكويت . أنا لا أجيب على الكويتيين وما يمكن أن يقولوه في ذكرى أليمة عليهم . ولكنني تابعت تناول الكثير من الكويتيين في منصة X وأستطيع أن أقيّم الأمر بعجالة ان الكثير من الكويتيين قد استوعب الالم ودخل في نطاق الرؤية المنطقية للحدث الذي مر عليه ثلاثة عقود وتزيد اربع سنوات. والقليل منهم لا زال متحمسا ومتوجعا، ومرجعية بعض هذه الاوجاع طائفية وعابرة للحدود . واهم ما جذبني هو رد مواطن سعودي على مواطن كويتي متوجع قائلا له لو هجمت اليوم إيران على الكويت، هل ستدافع عن الكويت ؟.
ان القضية لا زالت مشتبكة ومعقدة لا يحل بعض عقدها الا ما نرى من الأدلة الدامغة على استمرار التآمر الأميركي والصهيوني والايراني المستمر على العراق على الرغم من تغيير النظام العراقي منذ عقدين من الزمن . وهذا يعني بما يمكن أن يدركه كل عقل رشيد أن المؤامرة على العراق كله وعلى الأمة كلها وليس على البعثيين وحدهم أو على صدام حسين لوحده . ومن أكثر الأشياء التي آلمتني أنني قرأت تغريدة لعراقي وهو يرد على كويتي يتحدث بطريقة تجمع بين الوجع والطائفية والحقد معا قائلا له ، أنا عراقي وانا معك. وفي احدى التغريدات المليئة حقدا وليس وجعا، رد عليها أبناء الأمة بأسرهم . مئات من العرب من فلسطين والأردن ولبنان وسوريا والجزائر وتونس ومصر واليمن وسائر بلادنا العربية يترحمون على صاحب الذكرى وصاحب القرار . كانت التغريدة الكويتية تلك مهرجانا للترحم على صدام حسين . سألت والدي رحمه الله يوما هل العُرف اقوى من القانون , قال: بصفة رجل القانون ، يمكن أن يكون ذلك في المجتمعات غير المتحضرة . ولكن في المجتمعات المتحضرة يصاغ القانون على أساس قواعد رئيسية منها العُرف . فتحول هذه المجتمعات اعرافها التي اتفقت عليها على مر الزمن إلى قانون . ولذلك فإن العرف مهم جدا، انتهى قول القاضي المرحوم خالد المسافر. ولذلك أقول إن رؤية المواطن العربي من أقصى المغرب العربي إلى أقصى مشرفه ترى أن وجود النظام العراقي برئيسه صدام حسين ورفاقه من البعثيين كان مهما جدا وضرورة لوقف انهيار الامة أمام اعدائها الخارجيين . وكان مهما جدا في إيقاف قوى الإحباط من السيطرة على شباب الأمة وشيبها . هذا الرأي العام لأبناء الامة سيتحول مع الزمن إلى مبادئ وقوانين لأنها تمثل ما اتفقت عليها الامة، وسيتحول الآخرون المعارضون إلى مغردين خارج السرب .
لم يفاجأني رأي الدكتور عبدالله النفيسي الذي تجاوز الوجع بوصفه كويتي ليكون بمستوى الحدث ويقيّم الحدث ويقيّم وضع الامة ويتنبأ لمستقبلها، لأنني قابلت في العشرين سنة الماضية عدد من الكويتيين ورأيت فيهم الكثير مما سمعته من النفيسي في فهمهم للحدث وحل بعض عقده . بل إن أحد أفراد آل الصباح طلب من أحد الإخوة اللقاء بي بعد أن عرف عني اني بعثي واحب صدام حسين، وما سمعت من هذا الرجل المحترم الا كل خير، حتى القضايا الخلافية يذكرها بكل ادب وبالكثير من اللياقة والدبلوماسية ثم اختتم حديثه معي قائلا إذا استبعدنا الغزو من أفكارنا سنجد أنفسنا نحن ككويتين وكعرب قد خسرنا كثيرا بإسقاط صدام حسين ورفاقه، واجبته قائلا ليس بعد قولك قول . ولكنني أتعجب حين ارى الكثير من العراقيين (مع غزو الكويت أو ضده) وهم يتناولون الحدث لا يزالون يتناولونه وكأنه حدث يوم امس وليس قبل أربع وثلاثين عاما. كثير من العاطفة، كثير من الاستباقية، كثير من الكلام الجارح، كثير من السطحية، كثير من الاتهامات العابرة للحدث . ولكن ما استفز فضولي هو إنكار البعض لكل الأدلة التي ظهرت ولا زالت تظهر منذ دخول قواتنا العراقية إلى الكويت في الثاني من آب 1990 والى يومنا هذا . وبعض هؤلاء يقول كان يفترض أن تتوفر في الحكومة العراقية آنذاك الحكمة وعدم التوغل في الاراضي الكويتية، وان تكتفي بالجهود الدبلوماسية لحل القضية ويتناسى هؤلاء حقائق كثيرة، منها :
1. ان العراق كان يواجه قضية تسريح مئات آلاف من الجنود والضباط بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية، والذين ينبغي على الدولة أن توفر لهم ولعوائلهم مصادر الدخل البديلة .
2. ان العراق كان عليه أن يعيد بناء ما دمرته الحرب العراقية الإيرانية وأن يعيد حركة التنمية إلى سابق عهدها والتي تاخرت ثماني سنوات بسبب استمرار العدوان الايراني على العراق .
3. ان العراق خرج منتصرا من الحرب وأن ذلك يفرض منطقا جديدا في تقاسم القوة في الإقليم وان الضغط الكويتي المدعوم من الخليج والقوى الكبرى يريد أن يجرد العراق من حقه الذي سالت من أجله الدماء وهو يرد العدوان الايراني ويسقط أسطورة الجيش الايراني، الرابع بين جيوش العالم.
4. ان العراق بحاجة كبيرة إلى الموارد المالية من أجل سداد القروض الدولية التي تفاقمت خلال الحرب العراقية الإيرانية والتي وصلت إلى ما يقارب السبعين مليار دولار ومنها قروض من الصناديق السيادية لدول الخليج العربي .
5. ان العراق قد التزم السكوت خلال الحرب العراقية الايرانية على الكثير من الاختراقات الحدودية مع الكويت حتى لا يفتح جبهتين، وكان ينبغي أن يعيد سيادته على حدوده بعد انتهاء الحرب، ومنها جزيرتي وربة وبوبيان وغيرها من الحدود البرية في المطلاع . وانصح هنا بقراءة كتابات اللواء الدكتور جمال الحلبوصي.
6. ونظرا لطول الحرب وارتفاع مستلزمات مواجهتها فإن العراق لم يستطع أن يوفر الاستثمارات اللازمة لديمومة القطاع النفطي، ولذلك حصل أن بدأ القطاع النفطي بمواجهة الاندثار المتراكم والذي أدى إلى ضعف قدراته الإنتاجية والاستكشافية مما تتطلب آنذاك إلى زيادة حصة الاستثمار في القطاع النفطي والذي واجه هو الآخر ضعف قدرة الناتج المحلي الإجمالي لمواجهة الاستثمار الجديدة .
أصبحت عملية مواجهة الظروف المذكورة سابقا أكثر صعوبة عندما رفعت الكويت وبعض دول الخليج العربي من سقف إنتاجهم النفطي وخارج الحصص المقررة في اوبك، مما أدى إلى تدهور سريع بسعر برميل النفط الخام . حتى انخفض في آب/ اغسطس 1990 بمعدل يتجاوز 30% عن سعره في نهاية الحرب العراقية الإيرانية في آب/ اغسطس 1988. مما انبأ باحتمالية مواجهة الاقتصاد العراقية لخطر كبير جدا يتمثل بعدم قدرته على استيعاب المسرحين من الجيش، وفشل الاقتصاد في إدارة عجلة التنمية من جديد، وان العراق سيكون في مواجهة جديدة مع الصناديق السيادية للدول التي اقترض منها، مما سيؤدي إلى إعادة جدولة الديون ومن ثم دخول العراق في نادي الدولة المتعثرة في السداد، ولن يكون بإمكانه الاستثمار في القطاع النفطي من أجل تعويض الخسارة بأسعار النفط بزيادة الإنتاج ، فضلا عن سكوته المفترض عن كل من تسول له نفسه الاعتداء على سيادة العراق لانه بوضع لا يسمح له بالرد . كان كل ذلك بمثابة معاقبة العراق على انتصاره في الحرب التي أراد الرهبر الايراني فيها ان يذل العراق بسبب أحقاد تاريخية، بعضها مفهوم وبعضها الآخر غير مفهوم . أنا لا اكتب في هذا الموضوع مخاطبا الكويتيين، بل أخاطب بعض العراقيين، واقول لهم أن الشعور بالسيادة والايمان بها ليس له علاقة بمن يحكم، ولذلك فإننا ننتفض من أجل سيادة العراق حتى لو كان الحاكم هو ناقص أهلية وشرعية كما حكام العراقيين اليوم . وننتفض لكرامة العراقي عندما نرى بعض العراقيين وهم يقبلون أحذية الزوار الأجانب حتى لو كانوا مغيبين دينيا وماليا. هذه المشاعر لا تقبل القسمة. لأنها ستنال منكم قبل أن تنال من اي شخص آخر. ومن المعيب عليكم، وان بعضكم متعلم، أن يقارن سلطة وطنية، حتى لو كانت مخطئة من وجهة نظركم وتذكرتم فجأة بعد الاحتلال انكم كنتم تخالفونها، مع سلطة ضالعة بالعمالة والتخريب والفساد.
إرسال تعليق