مقامة تقاسيم الى ذلك الدرويش :

مشاهدات


 

صباح الزهيري


يقول جلال الدين الرومي : (( ليست المناسك والطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين , بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا ,  توضأ بالمحبةِ قبل الماء , فإن الصلاة بقلبٍ حاقدٍ لا تجوز )) , يَسبَحُ الفكر في ملكوت المعاني , وليس أمام المريد إلا التَدبّر , وليس أمام العارف إلا التأمل  , قلبي ارتوى ورُوحي مسّها شغفُ الانبعاث . أنا لا أكتبُ ما يكتبون , وأنا أعرف ان الحروفُ هي الحروفُ , إنّما : قصيدتي صغيرة كَقُنْبُلَة عميقة كَبحر مدهشة كَقُبْلَة , لازال كأسُ عشقي نصفُها ممتلئٌ بكَ والنّصفُ الآخرُ بفراغِكَ , لقد أَتيتني كعلامةِ تعَجُّبٍ مُثقلَةٍ بالدَّهشةِ , فما الذي حَوَّلَكَ إلى: علامةِ استفهامٍ ..؟! وأنا أخبرتك :  قبلَ أن تطأَ أرضَ مملكتي اخلعْ أفكاركَ المُسْبَقة عنِ القصيدة . إيّاكَ أنْ تأخذَني على مَحْمَلِ العشقِ فأنا لا أعشقُ إلاَّ مفاتنَ اللغةِ , فما زالَ مِنجلُ الشَّرِّ يجتزُّ ما تبقَّى لنا في هذا الكَونِ من سنابل الخيرِ, وتلك الشَّجَرَةُ التي هَجَرَهَا طائرُها , لَمْ تَمُتْ , وَاقِفَةً , أَتَاهَا الرَّبِيعُ بِالبَرَاعِمْ .

 

أيها الدرويش عندما سَقَطْتَ تفاحةً شهيةً فوقَ أرضي , لم يرتعش قلبي , هيَ حُرُوفِي التي ارتعشتْ, وكما يأتي الرّبيعُ فندركُ أنَّ كُلَّ الفُصُولِ كانتْ مُجَرَّدَ تمهيدٍ لَقدومِهِ, أتى رَجُلُ الحُلُمِ فأدركتُ أنّ كلَّ ما عشتُ في الحياةِ كانَ مُجَرَّدَ تمهيدٍ له , وكَمَا تُطِلُّ الشَّمْسُ فَجْرًا عَلى شَجَرَةٍ بَعْدَ ليلةٍ مَاطِرَةٍ , أَطَلَّ وَجْهُكَ النُّورانِيُّ على قلبي فأحْيَاه . أتسمع تلك الموسيقى ؟ يسمونها موسيقى الكون , والمسافاتُ الشَّاسعةُ بيننا تعزفها, وينسبُها الكَوْنُ إليهِ , يتسائلون عن العشقُ؟ العشقُ هو أن تراني كما يرى الصُّوفيُّ الصومعة, تسمو مشاعرُهُ فيَتَعَبَّدُ أعوامًا مديدَة ,  أن تلمسَني بذاتِ القُدسيَّةِ التي يلمسُ فيها رَضيعٌ الثَّدْيَ بعدَ رحلةِ ولادةٍ عَنيدَة , أن تسمَعَني كما تسمعُ الورودُ طنينَ النَّحلِ في مواسمِ الخِصبِ الرَّغيدَة , أن تتذَوَّقني كما يتذوَّقُ فَلاحٌ أوْلَى ثمارِ الأرضِ المَجيدَة , أن تقرأَني بالدَّهشةِ ذاتِها التي يقرأُ فيها الشُّاعرُ كُلَّ قصيدةٍ جديدَة , وأنا لروحِكَ أَنتمي , كما تنتمي السمكةُ للبحرْ , وأنت لروحي تنتمي , كما تنتمي القصيدةُ للشِّعرْ . كيف أحدثك عن الخذلان ؟ , حين أتَونِي بقميصِكَ كان ملطخا بأحمرِالشفاه , القيته في البئرِ وبكيتُكَ , بكيتُ  حتَّى أجهضتك من رحمِ العِشقِ , وأنا المكابر سأظل أُكحّلُ عينيَّ لكي تراكَ النِّساءُ فيهماعلى أكملِ بهاءٍ , فيغبطنني عليكَ , وسأظل تلك البذرةً الصُلبَة  التي تنتظر تلكَ القَطْرةَ التي وصلتْ عُمقَ التُّربَة فتحوَّلني إلى شَجرةٍ مكتملةِ وبهية . وفيما بعدَ الطُّوفان , قد آنَ الأَوانُ أَنْ تنطلقَ من كلِّ فُلكٍ في القلبِ يَمَامَةٌ, تسبِّحُ ربَّ السَّماءْ , قد آنَ الأوانُ أن ,أهبطَ على لغتِكَ وَحْيًا , لتتحقَّقَ بنا النبوءاتُ فتعودُ يانوح , وأعودُ إلى فردوسِ العشقِ , ويأتي من نسلِنا عظماءُ الشُّعراءْ .


تعليقات

أحدث أقدم