حزب الله : من مقاومة الاحتلال إلى طغيان إقليمي يعصف بالعالم العربي

مشاهدات



سحر آل نصراوي


في بداية نشأته في أوائل الثمانينيات، برز حزب الله كحركة مقاومة في لبنان لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي . لكنه على مر العقود تحوّل إلى قوة إقليمية، ليست فقط في لبنان بل في أنحاء عدة من الوطن العربي، حيث نفذ سياسات وأجندات تتجاوز الحدود الوطنية، بدعم وتوجيه من إيران . من سوريا إلى العراق واليمن، تورّط الحزب في صراعات دامية، ليترك بصمات قاتمة من المجازر، التّدخّلات، والدّمار ، مما أدى إلى خلق حالة من العداء تجاهه في الوطن العربي . واليوم ، يبدو أن الحزب يدفع ثمن طغيانه، في ظل التوتّرات الداخلية المتزايدة في لبنان، والتحوّلات الإقليمية والدولية .

أ - أبرز الجرائم والمجازر في سوريا  :
مجازر وتهجير قسري دخل حزب الله الحرب الأهلية السورية في عام 2012 إلى جانب قوات النظام بقيادة بشار الأسد، محاولًا تعزيز نفوذ إيران في المنطقة . هذا التدخل العسكري، الذي تم تبريره بحماية "المقاومة" ضد إسرائيل، ترك آثارًا مدمرة على الشعب السوري، وأسهم في استمرار الصراع لأكثر من عقد .

1- مجزرة القصير (2013) :
شارك حزب الله في واحدة من أكثر المعارك دموية في سوريا، حيث أسفرت سيطرته على مدينة القصير عن مقتل المئات وتهجير الآلاف من المدنيين . استُخدمت القوة المفرطة من قبل الحزب وأثارت غضبًا واسعًا في صفوف السوريين، والرّأي العام العالمي مما عمّق الكراهية تجاهه .
2- حصار مضايا والزبداني (2015):
شارك الحزب في فرض حصار قاسٍ على مدينتي مضايا والزبداني في ريف دمشق، مما أدى إلى وفاة العديد من السّكان جرّاء الجوع ونقص الأدوية . هذه العمليات كانت جزءًا من استراتيجيّات الحرب ضد المعارضة، لكنها أثارت غضبًا دوليًا ضد الحزب بسبب الكارثة الإنسانية التي نتجت عنها .
3- معارك حلب (2016) :
كان حزب الله جزءًا من التحالف العسكري الذي ساهم في سقوط مدينة حلب بيد قوات النظام . خلال هذه المعارك، تم استخدام أساليب قمعية وإعدامات ميدانية بحق المدنيين والمقاتلين المعارضين، وتم تهجير عشرات الآلاف من السنّة من المدينة .
4- التغيير الديمغرافي :
لعب حزب الله دورًا محوريًا في عمليات التهجير القسري للسّكان السنّة من مناطق استراتيجية في سوريا، مثل القصير وريف دمشق، مما أحدث تغييرًا في التركيبة السكانية، في محاولة لتعزيز سيطرة النظام ودعم مشروع الهلال الشيعي .

ب- أبرز الجرائم والتدخلات في العراق :
1- تعزيز الطائفية والفوضى .
لم يكن تدخل حزب الله مقتصرًا على سوريا، فقد تورط أيضًا في الشأن العراقي بعد الغزو الأمريكي في 2003. جاء دور الحزب في العراق كجزء من مخطط إيراني أوسع لبسط النفوذ في البلاد ودعم الميليشيات الشيعية التي كانت تشن هجمات ضد السكان السنّة، مما أدى إلى تفاقم الصراعات الطائفية .
2- دعم الميليشيات الطائفية :
قدّم حزب الله تدريبات ودعمًا لميليشيات مثل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" في العراق. هذه الميليشيات متورّطة في عمليات تطهير طائفي وجرائم حرب، بما في ذلك الهجمات على المناطق السنّية وعمليات القتل الممنهج والتهجير. معارك الموصل وتكريت (2014-2017): كان حزب الله جزءًا من القوات الشّيعية التي شاركت في استعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش، إلا أن العمليات العسكرية تخللتها انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان بحق المدنيين السنّة، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القانون.
3- تدريب الميليشيات وإشعال العنف: قدم الحزب تدريبات عسكرية متقدمة للميليشيات المدعومة من إيران، مما ساهم في إشعال العنف الطائفي في العراق، وعمّق الانقسامات داخل المجتمع العراقي، الذي عانى لعقود من عدم الاستقرار السياسي .
ت- أبرز الكوارث والتدخلات في اليمن :
1- دعم الحوثيين وتدمير البلاد.
إلى جانب تورّطه في سوريا والعراق، لعب حزب الله دورًا رئيسيًا في دعم الحوثيين في اليمن، وهو ما أدى إلى تأجيج الصّراع في هذا البلد الذي يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم . دعم الحزب المتمردين الحوثيين بالخبرات العسكرية والتكتيكية، وكان دوره جزءًا من محاولة إيران لزيادة نفوذها في شبه الجزيرة العربية ومواجهة التحالف العربي بقيادة السعودية .
2- دعم عسكري وتدريب للحوثيين : قدّم حزب الله خبرات عسكرية ودعمًا لوجستيًا للمتمردين الحوثيين، مما ساعدهم في تنفيذ هجمات ضد الحكومة اليمنية والتحالف العربي . هذا الدعم شمل التدريب على إطلاق الصواريخ الباليستية وهجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت الأراضي السعودية
3- تعميق الأزمة الإنسانية :
 من خلال دعمه للحوثيين، ساهم حزب الله في استمرار الحرب التي أدت إلى مقتل آلاف . المدنيين وتشريد الملايين، وخلقت أزمة إنسانية من نقص الغذاء والماء والأدوية . كما زادت سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة في اليمن من تفاقم الأزمة الإنسانية، وخاصّة في المناطق المحاصرة .
ث- العمليات الإرهابية والسياسية في لبنان .
رغم أنّ حزب الله لا يزال يتمتع بشعبية بين جزء من الشّيعة في لبنان، إلا أن الكثيرين يرون فيه قوة طاغية تمارس السّيطرة السياسية والعسكرية على البلاد .على مرّ العقود، تورّط الحزب في سلسلة من العمليات الإرهابية والاغتيالات السياسية التي استهدفت خصومه، وفرضت سيطرته على الدولة اللبنانية، مما أدى إلى استياء واسع من طوائف أخرى في لبنان . ومازال الحزب يروّج لنفسه كحامي لبنان من العدوان الإسرائيلي بينما تزيد جرائمه من حدة التوترات الطائفية والسياسية في البلاد .


1-اغتيال رفيق الحريري (2005) في 14 فبراير 2005، 

تم اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في تفجير ضخم استهدف موكبه في بيروت . ورغم نفي حزب الله تورّطه، أشارت المحكمة الخاصة بلبنان إلى ضلوع عناصر من الحزب في تنفيذ العملية . هذا الاغتيال هز لبنان وفتح الباب أمام سنوات من التوترات السياسية .
2- اغتيالات سياسية أخرى
تورط حزب الله في سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية معارضة للنفوذ السوري في لبنان.

من أبرز هذه الشخصيات
- سمير قصير (2005) : الكاتب والصحفي المعارض لسوريا وحزب الله
- جورج حاوي (2005) : زعيم الحزب الشيوعي اللبناني والمعارض لنفوذ سوريا
- جبران تويني (2005) : صحفي ونائب لبناني كان من أشد معارضي حزب الله.
3-استخدام السلاح للسيطرة السياسية (2008)
في مايو 2008، استخدم حزب الله قوته العسكرية للسيطرة على أجزاء من بيروت والجبل بعد أن قرّرت الحكومة اللبنانية تفكيك شبكة الاتصالات التابعة للحزب. أسفر هذا الاجتياح عن مقتل العشرات من اللبنانيين، مما أكد قدرة الحزب على استخدام السلاح لفرض إرادته السياسية في أي لحظة .
ج- الحروب مع الكيان الصّهيوني : تكتيكات المقاومة أم حرب الدمار؟
1-حرب تموز (2006):
 في يوليو 2006، دخل حزب الله في حرب مع الكيان الصّهيوني  استمرّت 34 يومًا وأسفرت عن مقتل أكثر من 1200 لبناني وتدمير واسع للبنية التحتية في لبنان.  رغم اعتباره "نصرًا" دعائيًا للحزب، إلا أن الحرب تركت لبنان في حالة دمار واسع وتسببت في نزوح الآلاف
2- التصعيد في 2021
خلال عام 2021، شهدت الحدود اللبنانية-االصّهيونيّة تصعيدًا جديدًا بعدما أطلق حزب الله صواريخ على الكيان .
3- ردّ الكيان الصّهيوني  بغارات جوية، مما زاد من التوترات وأعاد شبح الحرب إلى المنطقة.
4- الولاء الطائفي وخدمة الأجندة الإيرانية
في قلب سياسات حزب الله الإقليمية يكمن ولاؤه الطائفي والإيديولوجي لإيران. 

 

تمثّل تدخلاته العسكرية والسياسية في سوريا، العراق، واليمن جزءًا من استراتيجية إيرانية لبسط نفوذها الإقليمي عبر دعم الميليشيات الشيعية والمتمردين الحوثيين.هذا الولاء لم يكن إلا وسيلة لتعزيز المشروع الإيراني  في المنطقة، مما أدى إلى تأجيج الصراعات الطائفية وزيادة التوترات في الشرق الأوسط

ح- إيران تتخلى عن حزب الله؟ 

ورقة تفاوضية في الملف النووي.
مع تصاعد الأزمة الاقتصادية في إيران بسبب العقوبات الدولية، هناك مؤشرات على أن طهران قد تستخدم حزب الله كورقة تفاوضية في المحادثات النووية مع الغرب. الحزب الذي كان يومًا أداة استراتيجية بيد إيران قد يجد نفسه اليوم عبئًا عليها، في ظل الضغوط الدولية المتزايدة، وقد يكون جزءًا من صفقة سياسية تساهم في عزله أو تقييد نفوذه. 

هل يدفع حزب الله فاتورة طغيانه؟
اليوم و بعد سنوات من التدخلات العسكرية والسياسية في الدول العربية، يبدو أن حزب الله بدأ يدفع ثمن "طغيانه".
1- تزايد الضغط الداخلي في لبنان نتيجة للأزمة الاقتصادية، بالإضافة إلى تصاعد العداء الإقليمي تجاه الحزب، يشير إلى أن الحزب يواجه تحديات غير مسبوقة
2- هناك بعض الأطراف التي تتشفى في الحزب، خصوصا بعد العدوان الصّهيوني الأخير و هم من المتضرّرين من سياساته في سوريا واليمن ولبنان.
3- الشعور بالتشفي يأتي كنتيجة طبيعية لتراكم الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الحزب على مرّ السنين، سواء من خلال القتل أو التهجير القسري أو السيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية.

ومن غير المستغرب أن هناك بعض الأطراف التي تتشفى في حزب الله اليومفالحزب الذي كان يُنظر إليه كحركة تحرير، أصبح يُتهم بتنفيذ جرائم حرب وتهجير قسري وتفجير استقرار دول بأكملها، مثل سوريا. "التشفي" هو رد فعل طبيعي من قبل الذين عانوا من سياسات الحزب أو كانوا ضحايا لتدخلاته العسكرية، مثل السوريين والعراقيين واليمنيين وحتى بعض اللبنانيين ففي لبنان، هناك استياء متزايد من الحزب داخل الطوائف غير الشيعية وحتى بعض الشيعة، الذين يرون أن الحزب تسبب في عزل لبنان دوليًا وأدى إلى تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية. لكن و رغم التشفي رد فعل طبيعي، فإنه قد لا يكون دائمًا وسيلة إيجابية للتعامل مع الوضع.  من جهة أخرى ، يتحمل الحزب مسؤولية كبيرة عن الأزمات في عدة دول عربية، والضغائن تجاهه مبررة، خاصة من قبل المتضررين. وقد يعزز التّصعيد في التشفي والعداءات الطائفية ويزيد من الانقسامات في المنطقة، وهو أمر يمكن أن يُستغل من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسب سياسية جديدة. إن الرد على طغيان حزب الله لا يجب أن يتوقف فقط عند التّشفي أو الانتقام، بل يجب أن يُنظر إليه كجزء من مشروع أوسع لإصلاح المنطقة واستعادة استقرار الدول التي تعاني من التدخلات الخارجية.


تعليقات

أحدث أقدم