لا تفتشوا في المزابل عن ابطال وهميين ...

مشاهدات



د. محمود خالد المسافر


ان أية قضية مطروحة للنقاش ينبغي ان تحدها حدود واضحة، وان يكون النقاش مبنيا على اسس معروفة. وساكتب اليوم في قضية فقد بعض المتحدثين فيها البوصلة، الا وهي مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله على يد اجهزة الكيان الصهيوني. ولا يهمني من يدافع عنه او يكرهه لأسباب طائفية، فلعمري ذلك يليق به وبهم حبا وكرها. ولكنني اكتب اليوم الى من يدافعون عنه من الوطنيين والعروبيين وحتى الاسلاميين، ويرونه بطلا ومقاوما . ان مناقشة قضية مقتل حسن نصرالله ينبغي ان تُحاط من جانبين مهمين، وهما الجانب التاريخي والجانب الاخلاقي. فلا ينبغي ان نحاصر الحاضر بمحدد واحد وهو القتال مع الكيان الصهيوني، لأن ذلك لايكشف الحقيقة ابدا. واذكركم ونفسي اولا بغزو الولايات المتحدة الاميركية خلال مدة حكم جورج بوش الأب ل"بنما" تلك الدولة الصغيرة ولكن المهمة والمطلة على مضيق بنما الاستراتيجي . حيث بدأت الولايات المتحدة بغزوها في منتصف ديسمبر من عام 1989، بعد اشهر قليلة من انتخاب جورج بوش الاب رئيسا خلفا لرونالد ريغان. حققت الولايات المتحدة اهدافها في عملية الغزو واسمتها ادارة بوش بعملية "القضية العادلة" والتي ظاهرها محاربة الابتزاز المالي وتجارة المخدرات، وباطنها محاولة القوى النافذة في الادارة الامريكية للتخلص من الشريك القديم لها في تجارة المخدرات والأعمال القذرة والذي اراد ان يستقل بعمله وقراراته عنها. وقد استغلت الادارة الاميركية احداثا وقعت في قناة بنما لتتراجع عن التزامها بتسليمها الى الجنرال مانوييل نورييغا (1934-2017) وفق الأتفاقية التي وقعها الرئيس الاسبق جيمي كارتر مع الرئيس البنمي الاسبق عمر توريخوس (1929-1981) والتي تنص على اعادة ملكية قناة بنما بالكامل من الولايات المتحدة الى بنما بحلول عام 2000.  لقد اطاحت الولايات المتحدة الاميركية بالرئيس البنمي نورييغا، وتم اسره ونقله الى هناك والحكم عليه بالسجن، وتنقّل بين سجون الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا حتى تمت اعادته الى بنما ليموت في احدى سجونها في التاسع والعشرين من مايس من عام 2017.  


هل يمكننا من هذه القضية ان نجد طرفا عادلا وصادقا سواء ان كان جورج بوش او نورييغا؟ هل ان التخلص من نورييغا يجعل الولايات المتحدة على حق؟ وهل قتال نورييغا للولايات المتحدة وهو صاحب اكبر امبراطورية مخدرات في العالم، يجعله بطلا؟ بالطبع كلا. فعندما يتقاتل الاشرار لا يكون فيه الاقل شرا خيرا ابدا. ولا يصبح الشرير المنتصر خيرا ابدا. ولا ينبغي ان ننظر بعين التعاطف مع شرير لأنه في لحظة مصلحة معينة قاتل عدو لنا. ولا ينبغي ان نتكاتف من حرامي الحي لان حراميا اكبر منه بدأ يهاجمنا، وذلك لأن حرامي الحي يكون دائما دليلا للحرامي الاكبر. وعلينا ان نعرف عقلية عدونا وطريقة عمله، ويذكرني وجود امثال حسن نصرالله في مجتمعاننا العربية بالمثل الروماني القائل (نحن نستخدم العبيد لقتل الثعابين، ومن ثم نقتل العبيد We use the slaves to kill the snakes, then we kill the slaves) ولا بد من ان نسأل اولئك المتعاطفين معه لأنه قاتل الاحتلال "الاسرئيلي" عن منطلقهم الذي انطلقوا منه في تعاطفهم اذا كان وطنيا او عروبيا او اسلاميا او انسانيا. فإذا كان وطنيا فقد فقدوا البوصلة، لأن حسن نصرالله لم يعرض نفسه وطنيا على مستوى لبنان ابدأ، وكان يعلن على الملأ انه جزء من الدولة الاسلامية التي يقودها الولي الفقيه في ايران، وكان يُفشل دائما اية حلول وطنية يمكن ان توصل لبنان الى بر الامان. وكان يتاجر بالقضية اللبنانية على الأساس الطائفي الذي وضعه المستعمر . واذا كان المنطلق عروبيا فقد فقدوا البوصلة ايضا، لأن حسن نصرالله وعندما التحم الجيشان العراقي والايراني في حرب الثمان سنوات قرر ان يكون مع الجيش الايراني ملبيا دعوة الخميني لقتال العراقيين . فقاتل مع جيش الخميني الايراني ضد ابناء عمومته العراقيين ولم يضع في حسبانه انه يمكن ان يقتل من العراقيين من اولئك الذين استضافوه في النجف عندما اتاها طالبا للعلم عام 1976 . ولا ننسى جريمة حزب الله بخطف طائرة الخطوط الجوية العراقية في 25 كانون الاول/ ديسمبر من عام 1986 حين لقى 63 راكبا مصرعه . وكان نصرالله وعلى مدار اربعين عاما مؤيدا لأيران التي تحتل ارض ابناء عمومته الاحوازيين. واذا كان منطلقهم اسلاميا، فانهم فقدوا البوصلة ايضا، لأنه انتخى لحكم الاسرة العلوية في سوريا وهم ليسوا مسلمين، حتى وان اصدر الخميني فتواه الكاذبة خلال الحرب العراقية الايرانية باعتبار العلويين احدى الفرق الشيعية، فقد قاتل حسن نصرالله وبشراسة اخوانه  المسلمين نصرة لغير المسلمين، وانا اتحدث عن عائلة الاسد ولا اتحدث عن المواطنين من العلويين الذين تربطهم وكل السوريين رابطة الوطن الواحد. واذا كان منطلقهم انسانيا فهذا منطلق فاسد اساسا لأن حسن نصرالله ومجاميعه المجرمة ارتكبت افضع الجرائم في كل مكان دخلوا اليه في العراق وسوريا.


أن الذي يذبح أبناءنا في سوريا والعراق لا يمكن أن يكون مقاوما. والذي يعين طاغية الشام على أهل  الشام لا يمكن أن يكون مقاوما. وان الذي يهجر الفلسطينيين من العراق لا يمكن أن يكون مقاوما ضد الاحتلال الاسرائيلي. والذي يطارد المقاومة الحقيقية في العراق ويسلّم أبطالها للاحتلال الأمريكي ويفتح الطريق امام المتشددين والمتطرفين من اجل افساد المقاومة لا يمكن ان يكون مقاوما. والذي ينشيء السجون السرية ويضع فيها ابرياء تهمتهم الوحيدة أنهم من غير مذهبه لا يمكن أن يكون مقاوما. والذي يسرق أموال العراق وتصبح لممثله كوثراني اليد الطولى في تحديد حصة حزب الله من اموال بيع النفط العراقي ويترك العراقيين يجوعون لا يمكن أن يكون مقاوما . وان الذي يزرع المخدرات ويتاجر بها وينشرها بين طلاب المدارس في لبنان وسوريا والعراق لا يمكن أن يكون مقاوما. والذي ينشر الرذيلة بإسم المتعة بين الشباب لا يمكن أن يكون مقاوما إسلاميا . والذي يسب أو يسكت عن سب صحابة رسول الله ونسائه لا يمكن أن يكون مقاوما إسلاميا ابدا. والذي يجلس في طاولة واحدة مع  المحتل الأميركي ليتقاسموا النفوذ والسرقات في العراق لا يمكن أن يكون مقاوما. والذي يتحالف مع الاجنبي ويحارب أبناء جلدته تحت مضلّة المذهب لا يمكن أن يكون مقاوما. والذي يتحالف مع العملاء والمجرمين من امثال عبد العزيز الحكيم ونوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي وفالح الفياض وغيرهم من الخونة والعملاء لا يمكن ان يكون مقاوما . وآخر ما اقوله لفاقدي البوصلة هو قول الله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا).


تعليقات

أحدث أقدم