سعد احمد الكبيسي
في صراع العقيدة، لا يشترط أبداً أن تتساوى القوى، ولا أن تتكافأ موازين الأسباب! فسنّة الله في خلقه لا تقاس بميزان البشر، ولا تخضع لحساباتهم . الطغاة الذين أخذهم الله أخذ عزيز مقتدرٍ، إنما أخذهم وهم في أوج قوتهم، متحصنين بجبروتهم . تأمل كيف أهلك الله فرعون الذي قال: “أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي” (الزخرف: 51)، فلما طغى واستبدّ، جاءه العقاب فجأةً، قال تعالى: “فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ” (القصص: 40). هكذا يأخذ الله الظالمين، في لحظة يظنون فيها أن الأسباب ملك أيديهم، ولا يدركون أن مالك الأسباب هو الله وحده، يُدبّر الأمور بقدرته التي لا تعجزها قوة.
إن سُنّة الله في زوال الطغاة والظالمين، ثابتةٌ في التاريخ مهما طال الأمد . لم يبق محتلٌ على أرض احتلها، ولم يدم غاصبٌ على ملك اغتصبه . التأريخ شاهد على أن كل قوةٍ غاشمةٍ مصيرها الزوال، وهذا الاحتلال الصهيوني مهما طال، مصيره إلى الزوال أيضاً. قال الله تعالى: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ” (آل عمران: 141)، فالظلم وإن طال، له نهاية محتومة، والعاقبة للحق وأهله. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته” (رواه البخاري ومسلم). إن إمهال الظالمين ليس غفلةً من الله، بل هو حكمة تمهيدية لإحلال العقاب العادل عليهم . نحن أصغر وأضعف من أن نفهم حكمة الله في كل ما يقضيه، لكن إيماننا يجعلنا نطمئن إلى عدله، وإلى أن وراء كل أمرٍ حكمة بالغة قد تعجز عقولنا عن إدراكها. فقد قال الله تعالى: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًۭٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة: 216). نحن لا نعترض ولا نخوض في ما يريده الله ويقدّره ، فالله أدرى بمصائرنا وأقدارنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” (رواه مسلم). هذا هو اليقين الذي يملأ قلوبنا حينما نرضى بما كتبه الله لنا، ونتسلم أمرنا بين يديه سبحانه . سُبحانك يا الله، نرضى بما تقضيه، ونسلم بحكمتك، آمنا بك وبأنك ربّنا وربّ كل شيء، رضينا بما قضيت ورضينا بقدرك.
إرسال تعليق