مشاهدات
ياسر عبدالعزيز
بعد أخذ وردّ، وفي مساء السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2024، تم تسريب خبر استشهاد الرجل الأول في حركة حماس، والمخطط لعمليَّة طوفان الأقصى التي غيّرت المنطقة، بل غيّرت العالم، يحيى السنوار، هكذا سيقول الخبر، وهكذا سيدوّن التاريخ على قبر رئيس المكتب السياسيّ لحركة حماس، وفي تفاصيل الخبر سيُكتب أنّه خلال عملية عسكرية إسرائيلية في منطقة رفح بقطاع غزة، وبالصدفة، اشتبكت مجموعة صغيرة مكوّنة من ثلاثة مقاومين مع مجموعة من مشاة جيش الاحتلال في رفح جنوبي قطاع غزة . الخبر الذي لم يؤكد لساعات، حتى إنّ الاحتلال الذي لم يصدق نفسه ، أرسل محققين سابقين مع السنوار ليتأكدوا من أنه هو الرجل، بل وحملوا الرجل إلى تل أبيب لاختبار الحَمض النووي المحفوظ لديهم، ليتأكدوا من هوية الشهيد، كان رد فعل رئيس وزراء الكيان المغتصب ، بالتصريح بأن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس يقدم فرصة لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وهو في ذلك واهم، إذ إنَّ الإحصائيات تؤكد أن الفلسطينية الأكثر خصوبة في المنطقة، وأن من ولدت السنوار، ولدت عشرات الآلاف مثله . كما دعا الرئيس الكيان، إسحاق هرتسوغ، إلى التحرك سريعًا لإعادة الرهائن المحتجزين في غزة، وهو ربط غير منطقي بين استشهاد قيادة، يمكن تعويضها، وبين عملية عسكرية فشلت منذ عام في هدفها، وكأن الرجل يقول إن السنوار كان يخبئ الرهائن بنفسه، ولو كان كذلك فإنك أضعت الخريطة، وإن لم يكن، وهو الأصل، فإن فشل جيشك لن يحوَّل لنصر باغتيال قائد حماس .
الغريب في الأمر أن السنوار الذي أقض مضاجع قادة الاحتلال وشعبه وحلفائهم، أبى إلا أن يستمر في مهمته حتى، وهو عند ربه شهيدًا، بإذن الله، فطالبت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، حماس بالإفراج فورًا عن الرهائن وإلقاء أسلحتها، وهو ما يكشف الحالة التي يعيشها الفلسطينيون مع العالم، فلا صديقَ مخلصًا، ولا عدوا نزيها، إذ ترى بيربوك في الشهيد قاتلًا وحشيًا وإرهابيًا، وتسبب بمقتل الآلاف وبمعاناة لا توصف للإسرائيليين، ولأن وزيرة الخارجية الألمانية عوراء، رأت بعين المحتل، ولم ترَ بعين الإنصاف. وفي أجواء ألمانيا وقبل أن تحط طائرته، تلقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، إحاطة، بشأن إعلان الاحتلال اغتيال يحيى السنوار، فلم تنتظر المخابرات الأميركية وصول بايدن إلى برلين وسماع تصريحات وزيرة خارجيتها، وإن كان سمع لسعد، كما سعد الأمين العام لحلف (الناتو) مارك روته، الذي علق على الخبر، بأنه لن يفتقد السنوار . لا شك أن لاستشهاد السنوار تأثيرًا على حركة حماس، فغالبًا سيؤدي إلى تغييرات في القيادة داخل الحركة، لكنه بأي حال من الأحوال لن يؤثر على إستراتيجيتها في التعامل مع الاحتلال، ولنا في اختيار السنوار نفسه خلفًا لهنية العبرة، ولهم أن يعتبروا لو كانوا أولي ألباب، فلو كانوا أصحاب عقول وبصيرة لفهموا أن ظلمهم هو من يصنع العنف، وأن اغتصابهم الأرض هو ما يزيد العزيمة، وأن العربي لا ينام عن ثأره، وأن المسلم يرى في الموت لذة إذا كانت في سبيل دينه وأرضه وعرضه . كما أن اغتيال السنوار سيكون له تأثير على الحالة الشعبية، سواء الفلسطينية أو العربية، فمن المنتظر أن تكون هناك ردود فعل غاضبة، في كل عواصم العالم، وربما تتحول هذه الردود إلى ما لا يمكن توقعه ، فالغضب الساطع آتٍ، وأنا كلي إيمان بأن الحركة ستتجاوز مصابها، وأن الشباب سيقولون كلمتهم في كل العالم . كما أن استشهاد السنوار سيكون له تأثير في التصعيد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن هذا التصعيد سيخلق دوامات تدور في دوائر تتمدد في المنطقة، ستكون هناك انتفاضات شعبية لمقتل أكثر من أربعين ألفًا جلهم من الأطفال، سيخرج الناس من أجل رد الظلم، ووقف هذه الأيديولوجية الدموية التي يتبناها آلاف يرهبون بها العالم الملياري . لا شك أن استشهاد السنوار سيخيم على مفاوضات إنهاء الأزمة ووقف الحرب، فسيكون لاغتيال الرئيس الثاني للمكتب السياسي لحماس، مردود سلبي على أي جهود للمفاوضات بين الفلسطينيين والاحتلال، وهو ما يريده نتنياهو ومن معه، ببساطة لأنهم لا يؤمنون إلا بالدم في فكرهم، والخلاص من الجميع، والذين يساندونهم الآن سيكونون ضحاياهم في المستقبل، فكل له دور لكن الوقت لم يحن، فمن يتكلم عن حل الدولتين عليه أن يفهم الرسائل المرسلة، لعله يفكّر مرة أخرى .
إرسال تعليق