ضرغام الدباغ
قرأت في مطلع صباي ، حكمة التصقت بفكري : " إذا خانك صديقك مرة فالذنب ذنبه، وإذا خانك مرة ثانية فيمكن القول أن الذنب ذنبه أيضاً، أما إذا خانك مرة ثالثة، فالذنب ذنبك حتماً ". السياسة : علم وتجربة، تحتاج لرأس بارد لمن يمتهنها ويعمل في غمارها، وهي تحتاج لحسابات عقلية، ومن يمنح فكره للعواطف عليه أن يتجنب هذه المهنة، لأن المخاطر تنتظره عند أول عطفة طريق، ولأنها مهنة عميقة، بل أن العمل غالبا ما يدور في الاعماق، وهذا يتطلب أن يكون ذا نفس عميق، شجاع يحتمل وحشة وظلمة الأعماق . السياسة فن وعلم رفيع، ومهنة صعبة، تتطلب أول ما تتطلب بناء شخصية متينة، صلبة، وإيمان عميق بحقوقك الوطنية والقومية، وقدرة ممتازة على الممارسة المرنة، وتقبل تقلبات الطقوس، وإجراء مراجعات ووقفات نقدية، ودراسة الثغرات والأخطاء، ونقاط الضعف، وأن في تكرر الإخفاقات ما يشير إلى الخطاء في العمل، وفي تسلسل الأوليات. ودراسة عميقة لمفاصل تاريخية مهمة في تاريخ بلادك، وعلى مسرح السياسة الدولية، هناك مصطلحات لها وقع مؤلم، يستعملها الكثير في مجتمعاتنا، مثل : خطية، شمدريني(شو عرفني)، وأسوء تلك العبارات التي لها وقع الحسام المهند هي : ما عبالي، فأنا حين أسمعها، ولا سيما في مجال سياسي أصاب بصداع شديد، حتى أتساءل مع نفسي كثيراً، لماذا يسهل تمرير الأكاذيب والخدع علينا ...؟
قرأت في إحدى كتب لينين، أن شعوب الشرق بالغة الأدب التهذيب، ربما ذلك يعود لقرون طويلة من حقب الاقطاع، كما أن الشرق هو مهبط أديان وعبادات (قناعات غيبية)، ويتحكم أمراء وشيوخ الأرض والعائلة تتمتع بأحترام شديد، كل هذه أوجدت نظاما دينياً / قبلياً صارماً، وحين تأسست حكومات في العصور اللاحقة أخذت من خصائص الثقافة الجمعية الشيئ الكثير، وفي المقدمة الاحترام الشديد للملك، لرجل الدين، لأمراء الاقطاع، ولشيوخ القبائل، ومختاري القرى، لكبير الأسر، للوالد والعم والخال، وللأخ الأكبر.... سلسلة طويلة من الالتزامات الاجتماعية، بدا التخلص منها، تنكراً للتقاليد المجيدة ..! وقد لاحظنا، أن العقل الشرقي (بصفة عامة) يميل لتصديق الخرافات، والغيبيات، وكلما بولغ أو أوغلت الأطروحات في إسناد القناعات الصعبة للخرافات والغيبيات، كانت (لدى العامة) أميل للتصديق، وهذا مدهش جداً، أن تعرض حقيقة مادبة ملموسة، مع ذلك الناس تميل لتصديق الخرافة. وحين تصبح الخرافة هي الثقافة الجمعية، سيتمسك بها الناس كرابط يشد أواصر العلاقات .. وتلعب دور المنقذ، وربما عند البعض القناة الوحيدة . ومن البديهي أن يعتمد من يريد اقتحام مجتمعاتنا(من القوى المعادية والطامعة) على الفكر الخرافي والغيبي في التوصل لمآربه اللاشرعية، ويلحق بنا أشد الأضرار . وهم يمارسون هذه السياسة بمتعة سادية، وقد ثقفوا ضباط استخباراتهم وجواسيسهم، ورجال السياسة عندهم، على هذه التشخيصات، فباتوا يمارسونها براحتهم بنجاح شبه مطلق, ومن تلك مثلاً، أن جهة استخبارية معادية للعراقيين والمسلمين كافة، وضعوا سمكة من النوع (الجري) في "حب" يستخدم لسقي المصلين في جامع شيعي، وكادت تحدث مشكلة عويصة، لولا أن أحد رجال الدين لمح الرجلان الأجنبيان وهما يضعان السمكة في الحب .
كما حدث بعد الاحتلال 2003 في البصرة، عندما حاول رجلان متنكران بزي النسوة (عباءة ونقاب) يضعان متفجرة في مكان ديني. بهدف إشعال فتنة طائفية، وإذا كانت الحادثتان قد كشفتا لحسن الحظ، في الوقت المناسب، وما ثبت رسمياً أن تفجير مرقد الامامين في سامراء 2006 كان قد تم على يد الاستخبارات الإيرانية لإحداث فتنة طائفية. وقد تحقق فعلاً هدف الجهة الأجنبية فراح ضحية الخداع ألاف الضحايا .. على يد أبناء وطنهم وقوميتهم ودينهم ......! قرأت في اواخر السبعينات بحثاً مهماً، عن موضوعة طرقت أكثر من مرة في الأوساط العلمية / الثقافية ، عن متلازمة التخلف الاقتصادي / الثقافي . وأجمع المشاركون في المناقشة، أن التخلف الثقافي هي الحالة الأصعب، وعلاجها ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض . ومما توصلت إليه في بحوثي ودراساتي، هو أننا نعيش حالة تخلف سببها هو قرون عديدة من غياب التنمية ليست الاقتصادية / الاجتماعية فحسب، بل بسبب التخلف الثقافي في المقام الأول ، وإن نجحنا بدرجة ما أن نقلص من عمق الهوة الاقتصادية، إلا أن النجاح في تقليص الهوة الاجتماعية كان بدرجة أقل، أما الهوة الثقافية كانت وما تزال تواجه بوجهها العديد من الموانع والعراقيل. والكوابح ذاتية. وتمنحنا بعض الأمثلة الواقعية مثيرة للدهشة قبل الحزن، أنحدر إليه حتى عناصر من فئات يفترض أن ترتقي فوق الصغائر، ولكن في الواقع أن ابخرة وغازات التخلف ما تزال تفوح بشدة، فصار لنتائجها آثار مؤسفة لمن يتعاطون ظاهريا مؤشرات الثقافة .
إرسال تعليق