مقامة الغراب :

مشاهدات


صباح الزهيري


يقول الغراب لنا : لا تنسوا , بحسب الخيال الإنساني المتراكم والوهم المقدس , و الأساطير المتوارثة , فقد مات هابيل بلا أطفال , وهذا معناه أن البشر ينحدرون من القاتل قابيل , فلا غرابة , من تأصل النزعة العدوانية فيهم , فكيف نفعل مع الذين يدّعون الإسلام قولا وأفعالهم سلوك شيطان رجيم ؟ يشرّعون العيوب والمثالب , ويرفعون رايات دين رحيم وهم من أعتى المجرمين , ويتخذون من رموزه ذرائع للفعل المشين , ويغتصبون حقوق الآخرين , والفتاوى عندهم فوق كل شيء , وهي الدين القويم , فعن أي دين يتحدثون ؟ قرأنا للفيلسوف الصيني لاو تزو :

(( حين أراد الذئب أن يعلم صغيره دروساً في الحياة ذهب به إلى قطيع الأغنام وقال له : لحوم هذه لذيذة , ثم أشار إلى راعي الأغنام وقال له محذراً : عصا هذا الرجل مؤلمة فأنتبه أن تمسَّك , ولما رأى الذئب الصغير كلباً يقف بجوار الأغنام قال له : هذا يشبهنا يا أبي , فأجابه : اهرب حين ترى هذا الكائن فكل ما عانيناه في حياتنا كان سببه أولئك الذين يشبهوننا ولا ينتمون إلينا )) , ياله من درس , والحكمة تقول : (( إن كان عدوّك فأراً فأحسبه أسداً, وإستحضر له وفقاً لمخاطرألأحتمال الأسوأ . من الأسئلة : كيف لبلد بكل هذا الثراء , أن ينتشر فيه كل هذا الفقر ؟ من دروس الحياة : الأوهام تؤجل الحلم , وعندما تكون عبدا لا يمكنك أن تحب , هاهم يتعاملون معنا بالطريقة الاسهل لصناعة دولة فاشلة , فهم يخنقون أفضل مافينا ليصعد أسوأ مافينا , فيحصلون على البلاد , ويجعلون الوظيفة الحقيقية للتعليم هى التجهيل , وللاعلام هى التضليل , وللتشريع هى تقنين النهب للكبار فقط , الم يعلمنا الأجداد ان السعادة تتطلب تمرداٌ ؟ وأننا ان وثقنا بأرادتنا نجدها ؟ وفي بلدي , كل المطلوب عودة حملة السلاح الى ثكناتهم العسكرية , وخروج المثقفين من ثكناتهم الثقافية .

علمنا التاريخ انه يمكن السيطرة على الحياة المادية للشعب , لكن لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال القمع الدائم المنظم لثقافة الشعب , وأن كثرة الضغط تولد الانفجار , وعليه لماذا الاستمرار فى الضغط طالما ان النتيجة معروفة ؟ المعلوم ان حق الأنسان في أبداء رأيه هو الذي يعطيه الشعور بأنه ينتمي لجنس البشر, ولما كان النقد الذاتي هو الضمانة الأكيدة للتطور , اصبحت الفريضه الغائبة هو أستمرار تغييب التقاليد الديمقراطية وأصبح ( النقد الذاتي) أبغض الحلال عند العراقيين , خاصة النخب منهم . في معركة الوعي تعتبر المقاومة الثقافية هي الأهم , حيث يمكن للمهيمن أن يدمر جوانب ثقافية , لكن لن يهزم المقاومة الثقافية لأنها تمتد لألاف السنين , ولضمان أستمرار الهيمنة التي تسمح بنزح ثروات البلد , لابد من كسب العقول والقلوب , مما يتطلب بالضرورة عملاء ثقافيين , فعلى المثقفين ان يتوقفوا عن عملية الهدم لتاريخ الشعب الثقافي الوطني والقومي , فالشعب الذي يخجل من تاريخه لا يمكن له ان ينهض ويتحرر , ولن يكتمل تحرر وتقدم أي شعب ألا عندما يستعيد وبدون عنصرية القيم والرموز الأيجابية التقدمية في ميراثه التاريخي الثقافي , ولا يمكن التقدم دون ازاحة الركام من الطريق . تخبرنا الأحصاءات أن 99% ممن داخل السجون هم من الفقراء فقط , مع ان كل السرقات الكبرى يمارسها حصراٌ الاغنياء فقط , وعليه فأن عبقرية ارهاب الدولة القمعية , انها تجعل عمليات القمع تتم كعملية بيروقراطية , يتم تفكيكها لمراحل صغيرة وكل شخص مسئول عن مرحلة يؤديها بشكل روتيني باعتباره موظف , فلا يشعر بالعار , ولو انتبهنا لأنشودة الغراب لفهمنا ان : (( كل من اكتفى اختفى , لو كان محبا لبقى , ولو كان معاتبا ل حكى , لو كان مشتاقا لأتى , لو كان خيرا لبقى , لكنه لم يكن )) .

تعليقات

أحدث أقدم