بَينَّ الحِمار المُدلل والفِيل الهائِج ..!

مشاهدات

د سعد الدوري


* مِن البَديهِّي الثابت لايُمكن أن يَتغيّر وَصف "الحِمار" وإن سُرِجْ بأسَرِّجة الملوك .. وألبَّسُوه أجراساً مِن ذَهب .! فالحُمار يبقىٰ حِمار مَهما إختلف لونّه ونوعه وإستطال ظهره وطَال أُذنّه وذيله !


المألوف لدىٰ (العرب والمسلمين معاً) شُهرة (عِناد الحمار) يَنعكِس عَن غَباءِه !! حتىٰ تَجاوزت الأمثال في تَصوير طِباعه السَيئة في عَشرات مِن الأمثال الشَعبية والشِعرية ومَقوُلات .. عدا الحكايات والقِصص "الجِحوية' .! منها علىٰ سبيل الذكر كما هو - شائع عند العِراقيين في وصف الغبّي المُعاند - ((مثل الزِمال - أي الحمار)) .. أو قَولهم - ((تعال فَهِّم الزِمال )) .. أو ((مُوت ياحمار عَلما يجيك الرِبيع )) ! وقالت العرب أيضاً - لِمن يُعانِد بغباء - ((هو موبس حِمار بالإسمَ .. بَل هو الحِمارُ بِزرَّه أو بِعينّه)) - وكان قَد قيلَّ هٰذا - بِحق رجل مِن بقايا (عاد) تمتع بِغباء وبإصرار مزعج من العِناد - كان يُدعىٰ (حمار بن مُوَيْلع) .! ومن الأمثال الأخرىٰ التي قيلت عِند إخواننا المَصريين (ما بينزِّل عَن جَحشه)) .. عَن الذّي لا يَستبدل رأيه وسلوكه، كذلك قولهم - (( زي حِمار التروماي)) .. بعد أن تم إستخدام الحِمار لِجر (عَربة النقل التروماي) فوق سِكة- في مصر ، للدلالة علىٰ مِن لا يغير رأيه ولا قوله ولا يَحِيد عَن السِكة قَيد أنْمَلَّة مثل الحِمار حتىٰ لو وَقَف أمامه (فيل) جبار - وكَتعبير عَن عِناده وغَباءه وحُمقه ! أو المقولة التي يُرددها أخواننا الأكراد - (( کەرێک کە برای دەکات پێویستی بە کۆت و بەند هەیە)) - أي الحمار الذّي يَنهَّق لابد أن يُلزم بِلُجام - (الرشمّة) - وَيخص (إخواننا الأكراد) بِهذا القول الشعبي - وَصف الشخص - الذّي يَنعق بإستمرار بأقاويل تافهة مِن دون فائدة ودليل مُقنع ومنطق مع الإصرار !! أو قول (إخواننا التُركمان) - ((أَشگ تاكي .. أو بيگِر تاكي - أي مِثل الحِمار)) عِند وصفهم لِغبّي مُعاند او لشخص ذو قوة وعضلات لكنه يتصرف بها بِعبث !


رُغمّ كل هٰذه الأمثال في الثقافة والتراث الإسلامي والعربي - نجد في "الولايات المتحدة".. ومنذ عقود طويلة - كانوا قد أقحمُّوا (الحمار) في السياسة، وجعلوا منه -(أيقونة)- (شعار) سياسي لأحد الحِزبين اللذين يحكمان "أميركا العظيمة"..! فَدخل (الحِمار) ميدان 'رأس السياسة" مُنذ زمن طويل عندهم - وصار فيما بعَّد (علامة) - سياسية/ تِجارية في آن واحد .. وكمُحفز لِجذب الناخبين لِصناديق الإقتراع مِن جهة ، ومن جهة أخرىٰ يتم طبع صورته علىٰ كثير من الأشياء والأغراض التي تُباع في الأسواق وتحقق واردات إضافية للحزب ..! ومما يُثير حقاً الإستغرَّاب - الإنساني- في هذا الصدد - أن تُشاهد (أكواب و أقداح) عليها "صورة الحمار" .. يَستعملها (داعمي الحزب) لإحتساء المشروبات بِفخرٍ وإعتزاز وكبرياء ! هٰذا "الحمار" المُدلل - إتخذَّه (الحزب الديمقراطي الأمريكي) - ليُمثله - كشعار حزبي سياسي .. لِذا يتم وضع (صورته) جنباً إلى جنب مع رأس كُل ”مُرشح رئاسي ديمقراطي“ كل أربعة أعوام .. ويتم بَث المشهد - في جميع وسائل (الإعلام الأمريكية) والعالمية بإبتهاج وفخر عظيم ! والعَجيب أنهُم يُفسِرون هٰذا "الحِمار الأمريكي" - "كَرمز "للثورة والتقدم الديمقراطي" .. بدأت حِكاية - الحمار الديمقراطي"- مع إختيار (المُرشح - أندرو جاكسون)* لأول مرّة حينما وضع صورة حمار الى جانب برنامجه الإنتخابي - عندما خَاض سباق الرئاسة آنذاك - إذ نادىٰ (بشعار لِنَترك الشعب يحكُم) فَسخَر مُنافسه مِن (شِعار الحِمار) ، فوصَفهُ (بالشعبَوِّي الرخِيص) ! فما كَان مِن (أندرو جاكسون) - عِناداً وإصراراً وإعتزازاً مِنه (بِالشعار ) - راحَ وجَلب "حِمارا" حَقيقياً مُجَمّل - رمادي اللون - جذاب المنظر - ”مُمكيج“ - وَسَرجّهُ بِمُلصق - يحمل "شعار“حملته الإنتخابية وإقتاده وسط الأرياف والمُدن المجاورة لِمحل إقامته - في ترويج إعلامي دعائي لبرنامجه الإنتخابي أمام منافسه المنتقد- الذّي أظهرهُ أنه (نُخبوي شَعبّوي) - وأنّهُ غير قَريب مِن هُموم وأحلام الأمريكان ! فمُنذ ذاك اليوم صار (أبو صابر)- ديمُقراطياً يَحظىٰ بمعاملة سياسية مُتميزّة- ويُستخدَّم مع كل "مرشح ديمقراطي" لِتولي رئاسة "البيت الأبيض" ! إلا أن مثل هٰذا العِشق (للديمقراطيين) - (لِلحمار) - قد بدا يؤثراً في "طبائع" والتفكير والممارسة السياسية (للديمقراطيين) مع مرور الزمن - ومِن بين أبرز تلك الطُباع - ذاك (العِناد الأحمق) الذي يَتميز به "أبو صابر" .. وهذا قد يَتفق مع عبرّ عنه- (الرسام الكاريكاتيري- (توماس ناست) في مجلة (هاربر) - (عام 1870) ، عندما رسم "حماراً أسوداً " لِلتعبير عن هٰذا «العِناد» الذي يمتاز به الديمقراطيون .!


يبدو أن (توماس) كان مُحقاً، مثلما ثبت مَع مُرور الزمن عَن الديمقراطيين في ممارساتهم السياسية في إدارة سياسات (أمريكا العظمىٰ) !! ويمكن ملاحظة ذلك بما يَعنينّا في "السياسة الخارجية الاميريكية" لهذا الحزب في الزمن الحاضر ، في ممارَسة (الديمقراطيون) مِن سياسات خارجية خلال سنوات حُكمهم الاربعة الماضية من مواقف معاندة مُتعنتة - منها أزاء (غزة وأوكرانيا) ! حيث أصرَّوا علىٰ التضحية بمصالح (الوطن وأموال الشعب الأمريكي) - بِفتح جميع منافذ الدعم المالي والعسكري الكبيرين - بمئات المليارات - لِدعم (إسرائيل الشرقية و الغربية - "أوكرانيا") .. الدَعم اللا محدود لِكلا الطَرفين النازيين مِن دون مبالاة لِصراخات الرفض الأميريكي الرسمي و الشعبي لسياسات الحِزب حتىٰ على المستوىٰ الدولي .. التي تسببت - تدهوراً حاداً في الأوضاع الإقتصادية داخل البلاد ، والتضخُم الخارق الحَارق المُتزايد في الأسعار ! يَكفي هٰذا المثال الحي الحاضر أن يُجسد من دون أدنى شك - وبشكل واضح - تطبع (الديمقراطيين) بطباع (حِمارهم) الديمقراطي المُدلل - وجَعل "عِناده" المُتميز - ستراتيحية ثابتة غير قابلة للتغيير ! فبَقيَّ (الديمقراطيون) يَفخرُون ”بحمارهم“ ، الذي سَاقهُم (عِناده) لفشل ذَريع في الإنتخابات الأخيرة ، بعد أن كانوا يَحلمُون في جَوف "ثقة مُظلمة" بالفوز لرئاسة مُقبلة .. والأنكىٰ من كُل هٰذا وذٰاك - لايبدو أنهُم سَيتخلون عَن تدليل (الحمار الديمقراطي) وإتخاذ شعار آخر قليل التأثير النفسي في السلوك الإنساني!! وقد لا يُرشدوا أنّهُ سوف لا يؤتيهم بنفع لِكسب تأييدا لأمريكان بِما يَتميز من عناد حاد ! وهو يكلفهم مئات الآلاف من الدولارات في طبع صورته علىٰ مختلف الاشياء والبضائع .. يتحمله جِيُوب داعِميّه !! أما الفِيل (الجَمهُوري الضَّخم) ! باتَ يشكل رمزاً "للجمهوريين" في الإنتخابات الرئاسية التي جَرّت (عام 1860 ) كتعبير عن الرغبة في توحيد أمريكا كانت أيامها - قارة مُقسمّة غير مُوحدة بين الشمال والجنوب بسبب إختلاف الآراء حول قضية "تحرير العبيد" .. لقد إتخذه (أبراهام لينكن) - لأول مرّة - عند خوضه غِمار الانتخابات تلك السَنة.. مُعبراً في أنَّ وحدة البلاد تَظهِّر سِمة القوة المطلوبة لأمريكا .. ثُم تم إتخاذ (الفيل) كشعار سياسي (للجمهوريين) - رسمياً (عام 1870 ) - عندما قام - (رسام الكاريكاتير الأميركي الشهير - توماس ناست) - بِالتعبير عَن تَذُمِرِّه مِن خروج (الحزب الجمهوري) عن قِيمّه "الِليبرالِيّة" فإختصره بالرسم "الكاريكاتيري" في (فيل ضَخِّم مَذعُور) يُحطم كل ما تَطأهُ قدماه .. كَتب علىٰ "جِسمه" عِبارة (الصَوت الجمهُوري) ! ومُنذ ذلك الحين تحول "الفيل" إلى شعار (للحزب الجمهوري) وَيبدُو (توماس) كان صاحب تعبير جاد فيما لو تم الرجوع لِتاريخ قريب بسيط لملاحظة مُمارسات (الجمهوريون) ومنها مايهُمنا - علىٰ الأقل سياسات الحزب في عهد (بوش الأب والإبن) - الذّين شَكلا تحالفات خارج المنظومة الدولية (لغزو العراق) وفَرض سياسات وسلوكيات تتناقض مع كُل القوانين الدولية .. أو من جانب آخر كلنا لاحظنا سياسات الحزب تحت (رئاسة تَرامب) في الفترة السابقة .. إذ بَدا كَمثل (الفيل) الذّي يَسحق كُل ما يَقف أمامه من دون مبالاة ! فَفَسق عَن (القوانين الدولية) في الإعتراف (بالقدس) - "عاصمة لإسرائيل النازية" ، ونَقل (السفارة الأميركية) إليها ، ومن دون مُبالاة للرأي العام الإسلامي والعَربي أو أي إحترام للرابط الروحي بين العرب والمسلمين والقدس العربي !! تلك السياسات من اللامبالاة عند ملاحظتها بِدقة - تَمثلّت كما يُقال باللهجّة العراقية الشعبية - ((أخَذَّ بُوشه لِيكدام)) .. وفعلاً بِكلمات مُخيفّة ومُرعِبة للحمام البطاريق - مع إظهار ملامح شخصية حادّة ! تمكن بسهولة من تبرير ما يريد مع حكام "صُمٌ بُكمٌ لا يفقهون" ..! رغم أن طبيعة الرجل( مستر ترامب) لا تبدو (عُنفيّة) في حقيقتها فيما لو وضعت تحت مَجهر (التحليل النفسي) السياسي - ولا تبدو أنهُ من سلوك يُنفذ تهديداته النارية .. ويُعرض بلاده لِخسائر غير مُربحة .. أمام مِيوُله الواضحة الى عقد صفقات سياسية "جِزيات" مالية تجارية ..! وختاماً ننُهي المقال بالقول - في (الفيل) مِيزتين مُتناقِضتين من ناحِية السلوك - * مِيزَّة القُدرّة في التحمل وَحَمل (الأثقال) لإعانة الإنسان في أقسىٰ جُغرافيات الغابات ..!

*) وَمِيزّة - لا وِديّة - إذْ يَسحق عِندَّ حالة الغَضب كُل ماهو أمامَه بِكُل قَساوة وَ وحشية ! فَهل يا ترىٰ (فِيل ترامب) - التِجاري سَيتحلىٰ بِميزة التَحمّل (للمسؤولية الإنسانية) في سياساته الخارجية المُقبِّلة ، أم سَيفاجئ عَالمنا الإسلامي والعربي بالمِيزّة الأخرىٰ غير المَحمُودَّة فَرض جِزيات مالية والضغط النفسي الذّي لا يعكس حَقيقة وجَوهر روح الإنسانية التي يَطمح إليه الإميركيون منذ أنْ وِجدت أميريكا ولا أي إنسان عاقل في العالم .!

ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) أندرو جاكسون - نجح في انتخابات الرئاسة سنة 1828وانتخابات سنة 1832وقام بتأسيس (الحزب الديمقراطي) وإعتمد الحزب من بعد تأسيسه علىٰ يديه فلسفته .. لكن قبل تأسيس الحزب الديموقراطي كان ينتمي لحزب (الديموقراطي-الجمهوري) -الذي كان بقيادة (توماس جفرسون وجيمس ماديسون) قبل سنة 1828... أصبح رئيسا للولايات المتحدة في 1829. وأُعيد إنتخابه لولاية أخرىٰ بعد أربع سنوات ..!

تعليقات

أحدث أقدم