ثروة الإنسان : في رأسه لا في جيبه ؟

مشاهدات



سعد أحمد الكبيسي


يروي ابنُ القيِّم في كتابه "مفتاح دار السعادة"، أنَّ أحدَ العُلماء ركبَ مع جماعةٍ من التُّجار في سفينة، فلمَّا صاروا في عرض البحرِ انكسرتْ بهم سفينتهم، وغرقتْ وغرقَ معها كُل المال والتجارة، فأُنقِذوا من قِبَلِ الصيادين، وحُمِلوا إلى أقربِ مدينة . أصبحَ التجارُ في ذلِّ الفقرِ بعد عِز الغنى، أما العَالِم فجلسَ في حلقةٍ في المسجدِ يُعلِّمُ الناس، فذاعَ صيته، وعيَّنه الوالي على القضاء! فلمَّا أرادوا الرُّجوع، حزمَ العَالِمُ أمتعته معهم، فجاءَ الوالي والناسُ يسألونه أن يبقى معهم، فقبِلَ منهم ذلك .


فقالَ له التُّجار: هل لك َمن رسالةٍ إلى قومِكَ وأهلِ بلدِكَ؟

فقالَ لهم: نعم، قولوا لهم: إذا اتَّخذتُم مالاً، فاتَّخِذوا مالاً لا يغرق إذا انكسرتْ السفينة!


كل مهارة يتعلمها الإنسان هي مال لا يغرق، لأن ثروة الإنسان الحقيقية تكمن في معرفته ومهاراته، لا في جيبه. المعرفة تجلب المال، ولكن المال لا يجلب المعرفة، وهذا ليس تقليلا او تهوينا من حاجة المال ابدا ولكن المال يذهب والمعرفة تبقى . وهذا ما شهدناه جميعًا عندما اضطررنا إلى الهجرة من مدننا، وخرج الناس هاربين من الموت بثيابهم فقط، يحملون معهم الأفكار التي في رؤوسهم والمهارات التي أتقنوها، أصبحت تلك المهارات مصدر رزقهم وعيشهم، ولم يمدوا أيديهم للاستجداء، فالنجار والحداد لم يحملوا ورشاتهم معهم، بل حملوا مهاراتهم، فوجدوا ورشًا وأماكن للعمل، والطبيب لم يحمل معه عيادته، لكنه حمل مهارته، فوجد هناك عيادة أو مستشفى . فإذا اتخذتم مالاً، فاتخذوا مالاً لا يغرق إذا انكسرت السفينة !


تعليقات

أحدث أقدم