مشاهدات
محمود الجاف
تخوض الكائنات الحية الموجودة على ظهر الكوكب العديدَ من الصراعاتِ، على مستوى الافراد والجماعات. لكن اخطرهم البشر . لانهم يدخلون في حروب يسعى كل منهم ليكون المنتصر فيها بأي ثمن. ولهذا عليهم ان يطبقوا المبدأ القائل ( اعرِفْ عَدُوَّك ) أو الأعداء المحتملين ثم حدد طبيعة كل منهم وفتش عن نقاط الضعف والقوة لديهم وترتيبهم من حيث الضرر . وأهم تلك المعارك هي معركةُ البقاء .. معركة الحصول على الجاه والسلطان ولقمة العيش. وفي الجانب الاخر من الصورة يتواجد ألدَّ أعدائنا الذين ملئت قلوبهم حقداً وحسداً. من لا تُرتجى مودته أو يهدأ له بال حتى يجعل حياتنا شقاء ووبال. لكنني أعتقد ان الحالمون المتصيدون الفرص هم الاخطر . الذين شغلتهم الاوهام حتى اقتنعوا ان ما سبحوا من اجله في فضاء الأماني هو شيء حقيقي. قد تأخذنا الاحلام احيانا الى عوالم مُختلفة. فالمُغيبون في المُعتقلات مثلا تُحلقُ ارواحهُم بعيدا عن اجسادهم تعبيرا عن الرغبات المكبوتة في اللا وعي . والفقير يحلُم بالثراء، والفاشل يتخيل الوصول إلى قمة المجد. لكن الأسوياء سرعان ما يعودوا إلى حياتهم الحقيقية. أما الاستغراق الشديد فقد يُؤدي الإسراف فيه الى العجز عن التمييز بين الواقع والخيال. يقول إيريك فروم : ان الاحلام لُغة مَنسية نتشاركها مُنذُ القِدَم. انكبَّ عليها الفلاسفة قرونا عديدة في مُحاولة لتفسيرها ودوَّنها ملوك بلاد ما بين النهرين على ألواح الشمع وبعد ألف عام وثقَ المصريون القدماء أكثر من مئة حُلُم. لقد تحققت الكثير من الامنيات والتفسيرات المنطقية في الاحلام. لكن لأول مرة نكتشف ان شراء الاسلحة والتدريب عليها في العالم الافتراضي وتشكيل التنظيمات والجبهات وقراءة البيانات وتقدم الجيوش أمر يسير جدا وقابل للتحقيق بسرعة عند البعض. لا بل الادهى من ذلك هو انتظار المُساعدة من الذي استباح الارض. كذلك حكام الامة الذين ساعدوا وتصالحوا وتعاونوا مع ملالي الشرك والظلام ..
يسعى البعض على مَواقع التَوّاصل الإجتماعي هذه الايام لإظهار توقعاته عن النَّصر القريب في محاولات قد تسبب له البهجة المؤقتة المَقرونة بالحَذر والتَّرصد. الكل يحلم ان تشرق عليه شمس الحرية . لكن مع كل الصفعات التي تلقيناها إلا إننا مازلنا أسرى لما نقرأ ونسمع أو نعتقد . وبدل ان نبحث عن الحل الحقيقي كما فعلت كل الشعوب التي قطفت ثمار الحرية .. بتنا نحلم، ونصدق ما حلمنا به . رغم اننا ندري ان ايران مازالت تمتلك بعض اوراق اللعب في المنطقة ويمكنها نقل المَعركة إلى ساحات أخرى لاشغال امريكا وقد تكون الحرائق التي اشتعلت في بعض ولاياتها من فعلها او مواليها أو داعميها ؟ .. والحقيقة ان المشكلة ليست في اعدائنا بل فينا. جهلنا وتفرقنا وطمعنا في ان يكون كل منا الملك او الرئيس والقائد الاوحد. نحن في كل مرة ندخل أنفسنا في نفقٍ جديد من الإحباط بعد ان يتبين إن توقعاتنا جاءت مُختلفة لأمانينا ومازلنا حتى الآن نخشى أن نفهم. ولتعرفوا ما اقصد اود ان تجيبوا على هذا السؤال.
هل تتشابه الشعوب في الدين واللغة والعادات والتقاليد والاخلاق ؟
هل تعرفون تركيبة الشخصية الفارسية ؟ ..
لقد كتب الكثير من المختصين عنها مثل ( مغامرات حجي بابا الأصفهاني ) للقنصل البريطاني في أصفهان جيمس جستنيان (1820-1826م) و ( الشخصية الإيرانية ومكوناتها ) للأمريكي جاك ميلوك و( إيران مستودع البارود ) للفرنسي أدور سابلييه . وهؤلاء يعتقدون أن الشعور المُزمِن بعدم الأمان ولَّد لدى هذا الشعب خاصية ( سوء الظن ) جعلتهم قليلي القدرة على الامتزاج الذي تحول الى جرأة قد تظهر على شكل وقاحة قولا وفعلا لا يتردد معها في تشويه السمعة والافتراء وحتى لو طُردَ من الباب سيدخل بابتسامة ساذجة من الشباك. وقد ترى منه مزيج من الغطرسة والغباء المصطنع في آن واحد . قال احد شعرائهم : " إن الكلمات التي تخدعك وتُضَلِّلُك ولكنها تُسعد قلبك هي أغلى من الصدق وتزيد في قيمتها عن الشيء الذي يجعلك حزينا ويُعَكِّرُ مزاجك " وفي قصص التراث القديم ان احدهم سأل من هو الفارسي الاصيل فكان الجواب :
هو الذي يتحدث عن شيء، وفي ذهنه شيء ثان، وفي قلبه شيء ثالث، وفي جيبه شيء رابع. ولديه خطة بديلة كشيء خامس اذا فشلت كل تلك الاشياء .
ان ايران في الخطط المستقبلية وتموضعها لايتغير كثيرا بتغير الحكام فالشاه مثلا احتل الجزر العربية وكان له علاقة قوية مع حافظ الاسد الذي استقبله في قصر كلستان في طهران. كذلك ارسل موسى الصدر الى لبنان كمبعوث له لانه كان يهتم بالورقة الشيعية هناك. وهذا الامر حصل قبل استلام الخميني للحكم الذي ابقى جميع الملفات في المنطقة على حالها.
ايران بعد خروجها مدماة من حربها على العراق الذي دمر قدراتها بالقوة الجوية والصواريخ اعتمدت محددات جديدة كان اولها : ان لا حرب مباشرة بعد الان فقد كان عليها ان تواجه جيلا كبيرا من عوائل قتلاها وسجنائها ومغيبيها واسراها ومعوقيها ومعارضيها اضافة الى اقتصادها المحطم . كذلك العزلة الدولية والاقليمة الكبيرة والثاني : هو فك الاشتباك مع امريكا المنتصرة على الاتحاد السوفيتي فبعد ان كانت لديها حدود مع دولة واحدة اصبحت خمسة. ولهذا كان لابد ان يكون لديها رادعا مهما ومن هنا ولدت فكرة ملف الصواريخ . قال رفيق دوست الذي كان وزير الحرس الثوري في حينها في مذكراته تحت عنوان ( تسول الصواريخ ) انه ذهب الى يوغسلافيا التي رفضت طلبه ثم حافظ الاسد الذي لم يوافق ايضا معلّلا ذلك بان المستودعات مسؤول عنها ضابط سوفيتي يوثق كل شيء لكنه لم يمانع في تدريب عسكريين على كيفية صناعتها وكان على رأسهم ( حسن طهراني مقدم ) الذي عرف فيما بعد بأبو برنامج الصواريخ الايرانية. ثم تحدث عن القذافي الذي اعطاه 13 صاروخ مع خبراء اطلقوا بعضها على بغداد في حينها . وذكر انهم استثمروا حتى في السوق السوداء بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.
ولان ايران الدولة لم يكن لها حلفاء، كان يجب على ايران الثورة ان تفعل ذلك. حركات وتنظيمات سرية وعلنية ومن هنا بدات تنشىء أو تدعم تنظيمات كان اساسها حزب الله الذي وفرت له ميزانية خاصة منذ العام 1993. وهكذا بدأ نفوذها الاقليمي . اذرع ومكونات مختلفة سنية وشيعية لاتشبه بعضها البعض في النشأة ولا في التطور أو في آلية العمل وتلتقي على هدف عام ومعلن هو "مقاومة اسرائيل"؛ هدفا شرعيا خدعوا البسطاء في الشعوب العربية والاسلامية من خلاله فكلنا نريد تحرير فلسطين. وبدأت تمارس سياستها تحت الطاولة وفوقها، لان ايران في كل مساحات تاريخها لاتنتحر وتختار البقاء دائما تحت اي ظرف او حال وهي تستخدم مصطلح ( الانعطاف ) بجدارة لانها تعرف انها ستتفكك في حالة فقدانها النفوذ الخارجي لهذا بدأت اسرائيل بتقطيع اذرعها الواحد بعد الاخر من اجل اضعاف الحكم المركزي الذي سيؤدي الى ارتفاع اصوات كردية وبلوشية واذرية وعربية تبحث عن الانفصال وهذا هو الخطر الحقيقي الذي بدأت تواجهه بعد 7 اكتوبر. حيث انها ضربت عصفورين بحجر واحد . فقتلت من المسلمين السنة ومن الصهاينة بذراع غيرها الذي كان الضحية المثالية لتحمل الموت والتهجير والتدمير، وهي تتفرج على اللعبة التي ستدفع ثمنها غاليا . تاكدوا ان هذا النظام لو كان عليه الاختيار بين الموت او البقاء حتى لو على الهامش سيختار البقاء ولو بادنى مستوى من الشعارات التي يخدع بها المغفلين . لانهم يميلون الى تحقيق الصفقات اكثر من الاتفاقات وقد ترونهم قريبا مع ترامب في مفاوضات مباشرة دون وسيط . فهي ولاول مرة في تاريخها تواجه تهديدا وجوديا سيجعل هذا النظام يوافق على كل شيء حتى لو كان مقابل لاشيء.
ايتها الاخوات والاخوة الاعزاء : توقعوا الانتصار والخلاص عندما ترون المقاومة العراقية بجميع فصائلها وشخصياتها قد انضوت تحت مسمى واحد وبدأت بشكل جدي في اعادة التنظيم . هذه العملية التي يجب ان تشمل كُل شيء بَدءاً من مُراجعة الشخص لنفسه ثم إعادة تَرتيب الفصائل والجُيوش والتنظيمات العَسكرية والمَدنية تحت راية واحدة. ثم البَحث عن السلبيات وتَجاوزها فمازال لدينا الوَقت الكافي للتغيير . حينئذٍ، تاكدوا ان امريكا ستنفذ مطالبكم لانها الان تعتبركم مجرد ورقة ضغط ليستجيب لها النظام الحالي وينفذ اوامرها من خلال مساعدتها بتدمير الفصائل مع بعض الاصلاحات التي تبقيه الاقوى لاستخدامه في وقت الحاجة وخروجكم بخفي حنين خصوصا بعد ان تَصَدرت المَوقف الان شخصيات بعضها لم نكن نَراها أو نَسمَع عنها في ساحات المقاومة وعُدنا مَرة أخرى إلى الكَذب والبطولات الفيسبوكية . وهذه العوامل تُعزز وجود المحتل. لابد أن تشكلوا هيئة الرأي التي تتكون من ( اشخاص لديهم بصيرة ورؤيا ثاقبة للمستقبل وليس عيون فقط لا ترى ابعد من اقدامها ) لان احدى اهم الاسباب التي ادت الى ما وصلنا اليه هي قرارتكم الخاطئة. فالعراق ليس افغانستان ونحن لسنا طالبان . ولا سوريا وشعبها البطل الذي لم يتوقف لحظة عن التضحيات والقتال .
في عام 1916 تم تصوير فيلم ( لا تسامح ) أخرجه ديفيد وارك غريفيث وصور فيه بابل على أنها تجسيد لكل الشرور في العقل الأميركي . لقد قدم مؤرخو الكتاب المقدس الوقود الذي جعل منها بقعة لصناعة الشر بالاستناد إلى رؤية العهد القديم له . كما وصفها باحث ألماني بأنها دولة معادية لله وذات سمعة سيئة بين اليهود وأم البغايا والآثام . كانوا ينطلقون من أعماق قصص التوراة والأساطير ودراما الإسرائيليات القديمة التي كانت دائما ترى أن العراق عدو استراتيجي وبوش الابن عندما أصبح رئيسا سعى مع مُستشاريه نحو حملتهم الصليبية التي كان الصهاينة يقدمون فيها برامج التدريب للقوات الخاصة الأميركية عن الأساليب الوحشية التي يستخدمونها في قمع الفلسطينيين.
كلنا نعرف ان عمائم الشياطين تمكنت من ارتداء قناع المُقاومة وَالتَسلل بينها ونفذوا عمليات شَوهت سُمعتها وأفقدتها الحاضنة الشَعبية وحَوَّلَوا رأي الشارع العربي والإسلامي والغربي إلى اتهام المَناطق الساخِنة لإسكاتها وتدميرها وقد نَجحوا وتمكَنَوا من جعل انفسهِم الدَواء بعد أن كانوا هم الداء ولهذا استعانت به امريكا وأطلقتهُم على كل الدُول والمُدن والقُرى التي قاومتهُم وأثخنوا فيها الجراح. ولهذا قال ممثل الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان : ان السيد السيستاني مرجعية عالمية وان الحديث عن تغيير النظام السياسي لا حقيقة له. السيد هو صمام الامان الحقيقي لليهود فعلا. وهذا الدين لايمكن السماح بالقضاء عليه لانه الورقة الرابحة الوحيدة التي يمكنهم استخدامها للوقوف في وجه المارد المسلم عندما ينهض من جديد .
واخيرا لا تَحزَنوا لِتَجمُع أحزاب هذا الزَمان عَلينا واغتنموها فُرصَة لِدفق الأمَل في قُلوبٍ أحبَطَها اليأس وَابشِروا وأمِّلوا ما يَسُرُكُم فَعُمر الإسلام طَويل . في الغار ورَسولُ الله صَلَ الله عَليهِ وَسَلَم يَنظُر إلى أقدامِ المُشرِكين قالَ ( لا تَحزَن إنَ اللهَ مَعَنا ) وَكانَ مُطارَداً وَيُبشِرُ سُراقَة بِأنَهُ سَيَلبَس سِوارَي كِسرى . فَيا مَن وَقَعتَ في شِدَة إرفَع يَدَيكَ إلى السَماء وَادعو وَالله يَعصِمُكَ مِنَ الناس . ولاتنسوا ان الدنيا تَدور وسَيخرج من بين بَراثِن هذا الألم جيل يُعزِ الإسلام وأهلهُ . فلا تَهنوا ولا تَحزنوا فَقد وَعَدَنا الله بِنَصرِه إنهُ لا يُخلفُ الميعاد .
أليسَ اللهُ بِكاف عَبدَه ؟
اللهمَ أحينا ما عَلِمتَ الحَياة خيرًا لنا وتَوفنا ما عَلمتَ الوَفاةَ خيرًا لنا وإذا أردتَ فتنَة قَوم فاقبِضنا إليكَ غَير مَفتونين ولا مُبَدلين وَلا مُغيرين ياربَ العالمين .
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف 21
إرسال تعليق