السقوط

مشاهدات


عائشة سلطان


عبر حوارات مكثفة ينسج ألبير كامو صاحب رواية «الغريب» الشهيرة، أحداث روايته «السقوط» التي لا تقل أهمية عن «الغريب»، حيث نعثر فيها على أفكاره العبثية بوضوح تام ضمن الحوارات التي تدور بين بطلها «جان باسكال» المحامي الناجح في مدينة أمستردام، والذي يروي قصته بنفسه في شكل اعترافات لشخص غريب يلتقي به ويبدأ في الكشف عن تدهور حياته النفسية والعاطفية، مُعترفاً بأنه قد سقط في هوة من الفشل الروحي والأخلاقي .


يكشف «جان باسكال» في هذه الحوارات عن موقفه من الحياة، وفهمه للحرية، والمشاعر المزدوجة تجاه المجتمع والآخرين . الرواية تُظهر للقارئ كيفية التهام الذنب والشعور باللامبالاة الإنسان والوقت والحياة كلها، حيث يوضح «ألبير كامو» أن الإنسان لرغبته في الهروب من هذا العبء بالذنب قد ينغمس في نفاق ذاته، وتحميل الحياة والآخرين الذنب، واختيار العزلة النفسية عن الواقع كي لا يواجه الحقيقة . تعكس الرواية كذلك حقيقة صراع الإنسان في الحياة وهو يبحث عن معنى الحياة في عالم يبدو له خالياً من المعنى والهدف . يقول كامو في إحدى صفحات روايته «السقوط»:


إن الرعب الحقيقي في الوجود ليس الخوف من الموت، بل الخوف من الحياة . إنه الخوف من الاستيقاظ كل يوم لمواجهة نفس الصراعات، نفس الخيبات، نفس الألم . إنه الخوف من أن لا يتغير أي شيء أبداً، وأن نكون عالقين في دائرة من المعاناة التي لا مفر منها. وداخل هذا الخوف تنشأ رغبة في شيء ما، أي شيء، يكسر الرتابة، لا لهدف محدد، ولكن لإضفاء معنى واضح لهذا التكرار الذي لا نهاية له للأحداث وللأيام ولظواهر الطبيعة ! يشرح «جان باسكال» كيفية سقوطه فيقول: «أعرف رجلاً تخلى عن كل شيء، تخلى عن عشرين سنة من عمره من أجل امرأة مشتتة الذهن، مضحياً بكل شيء في سبيلها، أصدقاءه، وعمله والاحترام الذي كانت حياته تتميز به، وأدرك في إحدى الأمسيات أنه لم يكن يحبها أبداً. كان ضجراً، هذا هو كل ما في الأمر، ضجراً كأكثر الناس». في هذه المسألة هناك: حب وتضحية ووهم وضجر، فأي من كل ذلك هو السبب المباشر، وأيها مجرد نتيجة لا أكثر؟

تعليقات

أحدث أقدم