مشاهدات
صباح الزهيري
نشر الصديق طه أفندي على صفحته حكاية من الأدب الصيني :
حين أراد الذّئب تعليمَ صغيرِه دروسًا في الحياة وفنّ العيش , ذهبَ به إلى قطيع الأغنام وقال له :
لحوم هذه لذيذة , ثُمّ أشار إلى راعي الأغنام ,
وقال له مُحذِّرًا : عصا هذا الرّجل مؤلمة , فانتبه أن تَمَسَّك ,
ولمّا رأى الذّئب الصّغيرُ كلبًا يقف بجوار الأغنام قال : هذا يشبهنا يا أبي ,
فأجاب الأب : اهرُبْ حين ترى هذا الكائن , لأنّ كُلَّ ما عانيْنَاه في حياتنا كان سببه أولئك الذين يُشبهوننا ولا ينتمون إلينا ,
علنا نتعلم درساً ممن يخذولنا وهم يشبهوننا, حيث يقولون ((علة الفولة من جنبها )) , والمقصود هو ان الاذى لا ياتي الا من المقربون ورفاق نصف الطريق . روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان قال :
كانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسولَ اللهِ عَنِ الخَيْرِ, وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ,
فَقُلتُ : يا رَسولَ اللهِ , إنَّا كُنَّا في جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ, فَجَاءَنَا اللَّهُ بهذا الخَيْرِ, فَهلْ بَعْدَ هذا الخَيْرِ شَرٌّ؟
قالَ: نَعَمْ ,
فَقُلتُ : هلْ بَعْدَ ذلكَ الشَّرِّ مِن خَيْرٍ؟
قالَ : نَعَمْ , وَفِيهِ دَخَنٌ ,
قُلتُ : وَما دَخَنُهُ؟
قالَ: قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بغيرِ سُنَّتِي , وَيَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي , تَعْرِفُ منهمْ وَتُنْكِرُ,
فَقُلتُ: هلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟
قالَ: نَعَمْ , دُعَاةٌ علَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ,
فَقُلتُ : يا رَسولَ اللهِ , صِفْهُمْ لَنَا ,
قالَ: نَعَمْ , قَوْمٌ مِن جِلْدَتِنَا , وَيَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا ,
قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ , فَما تَرَى إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟
قالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ ,
فَقُلتُ: فإنْ لَمْ تَكُنْ لهمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إمَامٌ؟
قالَ: فَاعْتَزِلْ تِلكَ الفِرَقَ كُلَّهَا , ولو أَنْ تَعَضَّ علَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ علَى ذلكَ.
يقول أحمد مطر :
وإذا تركت أخاك تأكله الذِّئابُ
فاعلم بأنَّك يا أخاه ستُستَطابُ ,
ويجيء دورك بعده في لحظة
إن لم يجئْكَ الذِّئب تنهشكَ الكلابُ ,
ما أكثر الذين يشبهونا و لا ينتمون الينا , عندما تواجه الحركة الثورية مأزقاٌ , يقفز رفاق نصف الطريق من السفينة , ويرتدون أردية فلسفية وأدبية وفنية من الخراب الأيديولوجي , ومن قوانين المافيا : يمكنك ان تنتقد أياٌ من المجموعات السياسية , ولكن كل الويل لك اذا ما أنتقدت المجموعة التي تنتمي لها , وفي خضم المعارك المصيرية والنضالات الشاقة , يبرز صنف من البشر يثير في النفس أشد مشاعر الخيبة والحسرة , أولئك الذين يبدأون المسيرة معك , يشاركونك الآمال والأحلام , ثم يتنكرون لكل ذلك في منتصف الطريق , أو الأسوأ من ذلك , يتحولون إلى عيون للأعداء , يطعنون ظهور رفاقهم ويخونون الأمانة .
يقول الجواهري في قصيدة الوتري :
إيهٍ عميدَ الدار كلُّ لئيمةٍ لابُدَّ واجدةٌ لئيماً صاحبا ,
ولقد رأى المستعمِرونَ فرائساً منَّا وألفَوْا كلبَ صيدٍ سائبا ,
فتعهَّدوهُ فراحَ طوعَ بَنانِهمْ يَبْرُونَ أنياباً له ومَخالبا ,
قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا من جلدتنا من قومنا من العرب ويتكلمون بألسنتنا ,
باللسان العربي , وجرت الفتن العظيمة والمحنة على أيدي أناس منا من العرب , ولكن مواقفهم تخدم الصهيونية والمشروع الاستدماري , فانظر إلى مشروع إعادة إعمار غزة المقترح من قوم من جلدتنا , استعمار واحتلال في صبغة إعمار .
يعيش العقل العراقي جهلا مخيفا, الملفقات صارت حقائق , وما دسه الغلاة , صار هو الدين , هتك ممنهج من على المنابر , ومن أفواه الطائفيين , أدعياء الثقافة , وان اكبر منجز يحققه السياسي صاحب المبادئ , هو ان يحافظ على مبادئه في زمن اللا مبادئ , ليكون مرتاح الضمير وناصع الصفحة امام الشعب والتاريخ , وقد قال محمد حسنين هيكل لزوجته ذات يوم حينما كان وزيرا : احذري ولا تتوقعي هداياهم وولاءهم حبا. . انها السطة , وعن المتشابه : رحم الله ابي العلاء : ويظهر لي مودّته مقالا ويبغضني ضميرا واعتقادا , كما ان الشاعر الشعبي يقول : يتشابهن بالضوك ملحك وملحي بس أنه فوك الزاد وانته اعله جرحي , أولئك هم الخونة الذين إزدهرت أحوالهم يوم ضاعت أوطانهم . التماسيح إذا جاعت تصبح مجنونة , وان شبعت تنصرف الى النوم غير مكترثة , والخذلان في منتصف الطريق , قد يكون سببه ضعف النفوس , أو الخوف من مواجهة الصعاب , أو الطمع في مغانم زائلة , وقد تكون هناك ضغوط خارجية أو إغراءات تدفع البعض إلى التخلي عن مبادئهم , يترك الخذلان جرحًا عميقًا في نفوس الرفاق , ويولد شعورًا بالإحباط واليأس , ويقوض الثقة بين المناضلين , ويضعف الصفوف في أحوج الأوقات , وقد يؤدي إلى فشل المساعي , وضياع التضحيات , ومن الضروري اختيار الرفاق بعناية , والتأكد من صدق نواياهم , فالنضال طريق طويل وشاق , مليء بالتحديات والصعاب , يجب أن يكون المناضلون على استعداد لمواجهة الخذلان والخيانة .
قال الجاحظ :
ولعمري إنّ العيون لتخطئ ,
وإنّ الحواسّ لتكذب ,
وما الحكم القاطع إلاّ للعقل ,
ما أصعب الشرق الأوسط , أرض فِخاخ ومشقّات ومفاجآت , والأقنعة ستسقط دائما , مهما طال العرض , والحكمة تقول : أياك ومرافقة المنافق - الأنتهازي / المتلوّن فهو يأكل مع الذئب , وينبح مع الكلب , ويبكي مع الراعي , من حق كل دولة وكل شعب من الناطقين بالعربية أن تكون/يكون له موقفه من إسرائيل , ولكن ليس من حق أيّ طرفٍ أن يكون موقفه يحمل الشيء ونقيضه, وما أكثر نظم الحكم فى منطقتنا التى هى فى ذات الوقت (مع) و (ضد) ما يسميه البعض بالتطبيع وتسميه قلةٌ ب ( التعايش المشترك ) القائم على ( قبول الآخر) . أيها الطيبون , أحذروا تلك العلاقة مع الذي تظنونه شبيهكم والتي تؤذيكم , تحطمكم كل يوم , وتمتلئ صدوركم فيها بالإحباط واليأس والشك , بعض العاهات لا دواء لها إلا البتر , ورؤية الجسد ناقصا ليس بالمنظر الذي تحبه العيون , لكن الطبيب يختاره مُكرَها , لذا اعذروني عندما أقول لكم :
اقطعوا مثل هذه العلاقات , وحافظوا على سلامكم
الداخلي ,
وكما قال الشاعر:
ستألف فقدان ما فقدته كإلفك وجدان ما أنت واجد .
إرسال تعليق