الحكومة.. تنازلات أم توازنات؟
وانتخاب رئيس الجمهورية جرى بطريقة يمكن اعتبارها "فزلكة" قانونية ودستورية، بل تلاعباً على الدستور، كما قال الأستاذ المحاضر في القانون الدولي بجامعة ستراسبورغ المدعي العام السابق في المحكمة الخاصة بلبنان، الدكتور دريد بشراوي، إذ أن "قائد الجيش لا يحق له الترشح للرئاسة دون تقديم استقالته قبل ذلك بسنتين على الأقل". إلا أن بشراوي اعتبر أن الهدف من هذا الإجراء "كان بدء مسيرة جديدة للبنان عنوانها السيادة والحرية والاستقلال، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني". وجاءت أولى الانتقادات لعون فور إعلان التشكيلة الحكومية، وفي هذا السياق، قال بشراوي "رغم الحديث عن استبعاد الحزب من الحكومة، في ظل الضغوط الدولية للحدّ من نفوذه، تبيّن أن العكس تماماً هو الصحيح". وأشار إلى أن "الثنائي الشيعي يحظى بتمثيل مباشر من خلال أربعة وزراء، إضافة إلى وزير خامس محسوب على الحزب بشكل غير معلن". وأضاف بشراوي أن وزارة المالية أُسندت أيضاً إلى الثنائي الشيعي، "رغم المعارضة الكبيرة لهذا القرار، ما يعكس استمرار نفوذ الحزب وحلفائه داخل الحكومة، خلافاً للتوقعات التي كانت تشير إلى تقليص دوره". إسناد وزارة المالية للثنائي الشيعي عدّ تنازلاً من قبل العهد الجديد، كونه منح الحزب مزيداً من القدرة على التأثير في الملفات المالية والاقتصادية الحساسة، في وقت يواجه فيه لبنان أزمة مالية خانقة، تستدعي إصلاحات جذرية وضخ مساعدات خارجية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
محاصصة التعيينات الأمنية
لم تتوقف الاعتراضات عند الحكومة، بل امتدت إلى ملف التعيينات الأمنية، حيث أثارت بعض التعيينات حفيظة قوى سياسية، إذ رأت فيها محاولة للحفاظ على نفوذ قوى الأمر الواقع داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، بدلاً من تعزيز استقلاليتها . ووفقاً لبشراوي، فإن هذه التعيينات تتناقض تماماً مع الدستور وخطاب القسم، موضحاً أن "الدستور اللبناني، رغم عدم نصه صراحة على آلية التعيينات الأمنية، يحدد بوضوح فصل الصلاحيات بين السلطات ويمنح مجلس الوزراء حصرياً صلاحية التعيينات الأمنية..". وبالتالي اتفاق عون ورئيس مجلس النواب، نبيه بري، وهو حليف حزب الله، "على هذه التعيينات خارج إطار مجلس الوزراء، ثم فرضها لاحقاً عليه، يعتبر مخالفة دستورية واضحة"، وفق بشرواي . كما خالف رئيس الجمهورية وعده في خطاب القسم، حين قال، كما أشار بشراوي، "عهدي مع المجلس النيابي ومجلس الوزراء أن نعيد هيكلة الإدارة العامة وأن نقوم بالمداورة في وظائف الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة، وهو ما لم يحصل، حيث إن الآلية التي اعتمدت هي: إرضاء الثنائي ومتابعة الخضوع لإملاءاته، وهكذا فكل رئيس يعيّن أزلامه. فالميليشيا والمحاصصة لاتزالان تتحكمان بالدولة". من جانبه، رأى المحلل السياسي، خالد ممتاز، أن التعيينات الأخيرة في المطار والمراكز الأمنية لا تعكس رضوخاً من رئيس الجمهورية جوزاف عون للثنائي الشيعي، بل تأتي في إطار "المحاصصة القائمة في البلد". وأوضح أن "الاعتراض ليس على مبدأ المحاصصة بحد ذاته، فهو نهج شائع في الأنظمة السياسية، لكن المشكلة تكمن في آلية اختيار الأشخاص، إذ كان ينبغي أن تؤخذ الكفاءة والرتبة والنزاهة بعين الاعتبار". وأشار ممتاز إلى أن توزيع التعيينات جرى وفق آلية المحاصصة التقليدية، "حيث نال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط حصة المطار، والرئيس سعد الحريري حصة مديرية قوى الأمن الداخلي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري مديرية الأمن العام، بينما احتفظ رئيس الجمهورية بحصة قائد الجيش"، مشدداً على أنه "بهذه الطريقة، لا أرى أي إمكانية لتطبيق بنود خطاب القسم الرئاسي". وكان النائب التغييري ميشال دويهي، كتب في صفحته على "إكس"، "تفضيل الكفاءة على الزبائنية والوطنية على الفئوية، هذا ما ورد في خطاب القسم. ملء الشواغر وذلك وفق آلية شفافة تضعها الحكومة هذا ما ورد في البيان الوزراي. وبالتالي يحقّ لنا ان نسأل: أين الكفاءة وأين هي هذه الآلية في التعيينات الأمنية المطروحة؟". وخلال مناقشة التعيينات الأمنية في مجلس الوزراء الخميس الماضي، اعترض وزراء القوات على بعض الأسماء التي وردت حولها تساؤلات في الرأي العام، إضافة إلى أسلوب التعيين الذي لم يفتح المجال للنقاش من قبل الوزراء. وكتب القيادي في القوات اللبنانية، شربل عيد، على "إكس"، "وزراؤنا في جلسة الحكومية: اعتراض على بعض الأسماء في التعيينات وعلى الآلية المتّبعة في التعيين".
إرسال تعليق