مؤمنون أم آلهة ؟

مشاهدات

سحر آل النّصراوي


نواجه في مجتمعاتنا اليوم أناسًا يرون أنفسهم أكثر إيمانًا واستقامةً، وكأنهم يملكون مفاتيح الجنّة والنّار . ليس الأمر مجرد التزام بالدّين، بل يتجاوز ذلك إلى محاكمة الآخرين وتصنيفهم وفق مقاييسهم الخاصّة . هؤلاء، بوَعي أو بغير وعي، يضعون أنفسهم في موضع إلهي، كأنهم هم من يقرّر من يستحق المغفرة ومن يستحق العقاب .  لكن هل هذا ما يدعو إليه الإسلام ؟ وهل يمنح الإيمان الإنسان سلطة الحكم على قلوب الناس؟ 


يقول الله تعالى :

﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ﴾ (النجم: 32)


هذه الآية وحدها تكفي لنسف أوهام التفوّق الإيماني، فالله وحده يعلم حقيقة القلوب . إنّ تزكية النفس ليست من صفات المؤمنين، بل هي دلالة على الغرور والتّعالي، وهي أبعد ما يكون عن التقوى الحقيقية . ثم إن الإسلام لم يجعل البشر أوصياء على إيمان بعضهم البعض، فقد قال الله تعالى :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ نصب على الإغراء, لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  ﴾ (المائدة: 105)


وهذه إشارة صريحة إلى أن التّفرقة والتّصنيف ليستا من الدّين في شيء، بل هما خروج عن جوهر الإسلام الذي يقوم على التوحيد والتسامح . أمّا الذين يحاولون فرض تصوّرهم الخاص عن الدين، فيقرّرون من هو المؤمن الحقيقي ومن هو الضال، فهم يناقضون قول الله تعالى:


﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ (الأنعام: 107)،

و﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ (الغاشية: 22) 


حتى الرسول ﷺ لم يكن له سلطان على قلوب الناس، فكيف يمنحه البعض لأنفسهم ؟ ما يزيد الأمر سوءًا أن هذه الفئة لا تكتفي بالحكم على الآخرين، بل تمارس الوصاية الفكرية وتفرض رؤيتها بالإكراه ، بينما القرآن الكريم ينادي بأوضح العبارات:


﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ (البقرة: 256)

فإن كان الإيمان أمرًا قسريًا، فأين هو الاختيار؟ 

وأين هو الاختيار الذي يقوم عليه الاختبار الإلهي؟

إن أخطر ما يمكن أن يقع فيه الإنسان هو الاعتقاد بأنّه يملك الحقيقة المطلقة، فهذا يضعه في منزلة الآلهة، وإن لم يقلها صراحة. وهذا تمامًا ما وقع فيه إبليس حين رأى نفسه أحقّ من آدم بالسّجود، فكان أوّل من صنّف واحتقر الآخرين بناءً على "معيار شخصي"، وكانت عاقبته معروفة . الإيمان ليس استعراضًا ولا سلطة، بل هو سلوك متواضع ينبع من القلب ويظهر في المعاملة . من كان مؤمنًا حقًا، أدرك أنّ الحكم لله وحده، وأنّ دوره لا يتجاوز أن يكون عبدًا يسعى إلى التّقوى، لا إلهًا يوزع الأحكام . فلنكن مؤمنين، لا آلهة.



تعليقات

أحدث أقدم